أي : ما خدعك وما سوّل لك حتى عملت (١) بمعاصيه؟
ويقال : سأله وكأنما في نفس السؤال لقّنه الجواب يقول : غرّنى كرمك بي ، ولو لا كرمك لما فعلت ؛ لأنّك رأيت فسترت ، وقدّرت فأمهلت.
ويقال : إن المؤمن (٢) وثق بحسن إفضاله فاغترّ بطول إمهاله فلم يرتكب الزلّة لاستحلاله ، ولكنّ طول حلمه عنه حمله على سوء خصاله ، وكما قلت (٣) :
يقول مولاى : أما تستحى |
|
مما أرى من سوء أفعالك |
قلت : يا مولاى رفقا فقد |
|
جرّأنى (٤) كثرة أفضالك |
قوله جل ذكره : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨))
أي : ركّب أعضاءك على الوجوه الحكميّة (٥) فى أي صورة ماشاء ، من الحسن والقبح ، والطول والقصر. ويصح أن تكون الصورة هنا بمعنى الصّفة ، و (فِي) بمعنى «على» ؛ فيكون معناه : على أي صفة شاء ركّبك ؛ من السعادة أو الشقاوة ، والإيمان أو المعصية ..
قوله جل ذكره : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ)
أي : القيامة (٦).
(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)
هم الملائكة الذين يكتبون الأعمال. وقد خوّفهم برؤية الملائكة وكتابتهم الأعمال لتقاصر
__________________
(١) هكذا في ص وهي في م (علمت) وهي خطأ في النسخ.
(٢) يقصد القشيري هنا (المؤمن العاصي) .. المنزلة بين المنزلتين (بين المؤمن والكافر).
(٣) ينبغى ملاحظة ذلك إذا أردنا أن ندرس (القشيري الشاعر) : أنظر هذه الدراسة في كتابنا عن (الإمام القشيري).
(٤) هكذا في م وهي في ص (أفسدنى) وكلاهما صحيح.
(٥) هكذا في النسختين ، وقد كنا نريد أن نظن أنها ربما كانت (الحكيمة) ، ولكن ارتباط السياق بالمشيئة (.. ما شاء ركّبك) جعلنا نحجم عن هذا الظن.
(٦) بدليل قوله تعالى فيما بعد (يصلونها يوم الدين).