الجمع (١) من الأهوال ، ولا أنتم تحزنون فيما قصّرتم من الأعمال ...
أمّا الذنوب .. فقد غفرناها ، وأمّا الأهوال ... فكفيناها ، وأمّا المظالم .. فقضيناها. فإذا قال المنادى : هذا الخطاب يطمع الكلّ قالوا : نحن عباده ، فإذا قال :
(الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩))
أيس الكفار ، وقوى رجاء المسلمين (٢).
قوله جل ذكره : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠))
(٣) فى رياض الجنة ، وترتعون.
ويقال : (تُحْبَرُونَ) من لذة السماع.
قوله جل ذكره : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١))
العبّاد لهم فيها ما تشتهى أنفسهم لأنهم قاسوا في الدنيا ـ بحكم المجاهدات ـ الجوع والعطش ، وتحمّلوا وجوه المشاقّ ، فيجازون في الجنة بوجوه من الثواب.
وأمّا أهل المعرفة والمحبّون فلهم ما يلذ أعينهم من النظر إلى الله (٤) لطول ما قاسوه من فرط الاشتياق بقلوبهم ؛ وما عالجوه من الاحتراق لشدة غليلهم.
__________________
(١) يفسر النسفي أهل الجمع بأنهم أهل مكة (آية ٤٥ سورة القمر).
(٢) قريب مما ذكره القشيري ما أورده الحارث المحاسبى في رعابته : (ينادى المنادى يوم القيامة «يا عبادى لا خوف عليكم اليوم ...» فيرفع الخلائق وموسهم ، ويقولون : نحن عباد الله. ثم ينادى الثانية : «الذين آمنوا ...» ثم ينادى الثالثة : «الذين آمنوا وكانوا يتقون» فينكس أهل الكبائر رءوسهم ، ويبقى أهل التقوى رافعى رءوسهم ، قد أزال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم).
(٣) تحبرون أي تسرون سرورا يظهر حباره (أثره) على وجوهكم.
(٤) الجنة الحقيقية عند أرباب الأحوال رؤية الله ، ورد في الخبر : أسألك لذة النظر إلى وجهك.»