قوله جل ذكره : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣))
ذكر مجىء عيسى عليهالسلام أول مرة ؛ حيث أتى قومه بالشرائع الواضحة ، ودعاهم إلى دين الله ، ولكنهم تحزّبوا عليه (١) ، وإن الذين كفروا به لمستحقون للعقوبة.
(الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧))
ما كان لغير الله فمآله إلى الضياع. والأخلاء الذين اصطحبوا على مقتضى الهوى بعضهم لبعض عدو ؛ يتبرّأ بعضهم من بعض ، فلا ينفع أحد أحدا.
وأمّا الأخلاء في الله فيشفع بعضهم في بعض ، ويتكلم بعضهم في شأن بعض ، أولئك هم المتقون الذين استثناهم الله بقوله : (إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
وشرط الخلّة (٢) فى الله ؛ ألا يستعمل بعضهم بعضا في الأمور الدنيوية ، ولا يرتفق بعضهم ببعض ؛ حتى تكون الصحبة خالصة لله لا لنصيب في الدنيا ، ويكون قبول بعضهم بعض لأجل الله ، ولا تجرى بينهم مداهنة ، وبقدر ما يرى أحدهم في صاحبه من قبول لطريق الله يقبله ، فإن علم منه شيئا لا يرضاه الله لا يرضى ذلك من صاحبه ، فإذا عاد إلى تركه غاد هذا إلى مودته ، وإلّا فلا ينبغى أن يساعده على معصيته ، كما ينبغى أن يتقيه بقلبه ، وألا يسكن إليه لغرض دنيوى أو لطمع أو لعوض.
قوله جل ذكره : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨))
يقال لهم غدا : (يا عِبادِ) (٣) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) مما يلقاه أهل
__________________
(١) كان تحزبهم إلى فرق متعددة هم : اليعقوبية والنسطورية والملكانية والشمعونية.
(٢) تضاف هذه الآراء إلى ما ذكره القشيري في رسالته في باب «الصحبة».
(٣) بالياء في الوصل والوقف مدنى وشامى وأبو عمرو ، وبفتح الياء أبوبكر ، والباقون بحذف الياء.