وعلمه ، وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقّه ، مناجياً لله تعالی بالاستخارة في ذلك ، ومساءلته العامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره.
مُعمِلاً فكرَهُ ونظره في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العبَّاس ، وعلي بن أبي طالب رضياللهعنه ، مقتصراً ممَّن علم حاله ومذهبه منهم على علمه ، وبالغاً في المسألة ممَّن حفي عليه أمر (١) جهده وطاقته ، حَتَّى استقصى اُمورهم معرفةً ، وابتلى أخبارهم مشاهدةً ، واستبرأ أهوالهم معاينةً ، وكشف ما عندهم مسألةً ، وكانت خيرته بعد استخارة الله تعالى ، وإجهاده نفسه في قضاء حقّه في عباده ، وبلاده في الفئتين جميعاً : علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضياللهعنه ؛ لما رأى من فضله البارع ، وعمله الذائع ، وورعه الظاهر الشائع ، وزهده الخالص النافع وتخلّيه عن الدنيا ، وتفرّده عن الناس. وقد استبان له من لم تزل الأخبار عليه منطبقة ، والألسن عليه متَّفقة ، والكلمة فيه جامعة ، والأخبار واسعة ؛ ولمّا لم يزل يُعرف به الفضل يافعاً وناشئاً ، وحدثاً وكهلاً ؛ فلذلك عقد له بالعهد والخلافة من بعده ، واثقاً بخيرة الله في ذلك ، إذ علم الله تعالى : أنه فعله إيثاراً له وللدين ، ونظراً للإسلام والمسلمين ، وطلباً للسلامة وإثبات الحجَّة ، والنجاة في اليوم الَّذي تقوم فيه الناس لربِّ العالمين ، ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته وخاصته ، وقوّاده وخدمه ؛ فبايعه الكلُّ مطيعين ، مسارعين ، عالمين ، بایثار أمير المؤمنين ، طاعة الله على الهوى في ولده ، وغيره ممَّن هو أشبك رحماً وأقرب قرابة ، وسمّاه الرضا إذ كان مرضياً عند الله تعالی وعند الناس ، وقد آثر طاعة الله تعالى ، والنظر لنفسه وللمسلمين ، والحمد لله رب العالمين.
كتبه بيده في اليوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان المعظَّم ، سنة إحدى ومائتين ، وهذه صورة ما على العهد مكتوباً بخط الإمام علي بن موسی الرضا :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الفعّال لما يشاء ، لا مُعقّب لحكمه ، ولا راد لقضائه. يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وصلواته على نبيه محمّد صلىاللهعليهوآله ، خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين.
أقول : وأنا علي بن موسی بن جعفر : إنّ أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، ووفّقه
__________________
(١) لعلّ العبارة هكذا : (مِمَّن خفيَ عليهِ أمرُهُ) والله أعلم.