(في قوله تعالى :
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) [الروم])
لما بين أنهم عند توقف الخير يكونون مبلسين آيسين ، وعند ظهوره يكونون مستبشرين بين أن تلك الحالة أيضا لا يدومون عليها ، بل لو أصاب زرعهم ريح مصفر لكفروا فهم منقلبون غير ثابتين لنظرهم إلى الحال لا إلى المآل وفي الآية مسائل :
(المسألة الأولى) :
قال تعالى في الآية الأولى : (يُرْسِلُ الرِّياحَ) [الأعراف : الآية ٥٧] على طريقة الإخبار عن الإرسال ، وقال هاهنا ولئن أرسلنا ريحا لا على طريقة الإخبار عن الإرسال ؛ لأن الرياح من رحمته وهي متواترة والريح من عذابه وهو تعالى رؤوف بالعباد يمسكها ، ولذلك نرى الرياح النافعة تهب في الليالي والأيام في البراري والآكام وريح السموم لا تهب إلا في بعض الأزمنة في بعض الأمكنة.
(المسألة الثانية) :
سمى النافعة رياحا والضارة ريحا لوجوه :
(أحدها) : أن النافعة كثيرة الأنواع كثيرة الأفراد فجمعها فإن كل يوم وليلة تهب نفحات من الرياح النافعة ، ولا تهب الريح الضارة في أعوام غالبا.
(وثانيها) : أن النافعة لا تكون إلا رياحا فإن ما يهب مرة واحدة لا يصلح الهواء ولا ينشئ السحاب ولا يجر السفن ، وأم الضارة فربما تقتل في لفحة واحدة كريح السموم.
(وثالثها) : أن الرياح الرديئة المضرة تتكون من اختلاف الأنواع التي تحصل في عناصر الجو والأبخرة التي تتصعد من بعض أماكن من الكرة ، وهي تحصل غالبا من اختلاف أحوال الكرة دفعة واحدة ، أو من صعود أبخرة في بقعة كما يحصل ذلك عند طوفان الماء أو من الأجسام والبطاح أو من محل واسع فيه جواهر نباتية تحللت وفسدت أو من الضباب المتحمل للأجسام المنتنة المتصاعدة من بعض الأمكنة هذا.
واعلم أنه ليس للضباب رائحة مخصوصة به ، ولا يتحد مع أجزاء أخر ذوات رائحة ،