تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا) [الأنعام : الآية ١٤١]. فاعلم أن لأهل اللغة في تفسير الإسراف قولين :
(الأول) : قال ابن الأعرابي : السرف تجاوز ما حد لك.
(الثاني) : قال شمر سرف المال ما ذهب منه من غيره منفعة إذا عرفت هذا ، فنقول للمفسرين فيه أقوال :
(الأول) : إن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف ؛ لأنه جاء في الخبر ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (وروي) أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئا فأنزل الله تعالى قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا) [الأنعام : الآية ١٤١]. أي ولا تعطوا كله.
(والثاني) : قال سعيد بن المسيب : لا تسرفوا أي لا تمنعوا الصدقة ، وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف مجاوزة الحد إلا أن الأول مجاوزة الحد في الإعطاء ، والثاني مجاوزته في المنع.
(والثالث) : قال مقاتل : معناه لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام ، وهذا أيضا من باب المجاوزة لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام فقد جاوز ما حد له.
(الرابع) : قال الزهري معناه : لا تنفقوا في معصية الله تعالى. قال مجاهد : لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما في معصية الله كان مسرفا ، وهذا المعنى أراده حاتم الطائي حين قيل له لا خير في السرف فقال : لا سرف في الخير ، وهذا على القول الثاني في معنى السرف ؛ فإن من أنفق في معصية الله ، فقد أنفق فيما لا نفع فيه ، ثم قال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام : الآية ١٤١]. والمقصود منه الزجر ، لأن كل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار ، والدليل عليه قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : الآية ١٨]. فدل هذا على أن كل من أحبه الله فليس هو من أهل النار ، وذلك يفيد من بعض الوجوه أن من لم يحبه الله فهو من أهل النار.
(مقالة مهمة)
قد تقدم في الآيتين السابقتين وهما قوله تعالى : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ) [النّحل : الآية ١١]. إلى آخرها ، وقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) [الأنعام : الآية ١٤١]