(واعلم) أن القمر في حد ذاته جرم مظلم يكتسب الاستضاءة من شعاع الشمس ، ثم إن بعض أهل الميقات زعم أن الكلف الذي يرصد في القمر هو شعوب وجبال كالموجود في الأرض واستظهر خلوه عن الهواء وهو يدور على نفسه في سبعة وعشرين يوما وثمان ساعات تقريبا فيستقبل شعاع الشمس بأحد جزئيه في نحو أربعة عشر يوما يمكث بالجزء الآخر مثلها في الظلام ولما كانت مدة دوران القمر حول الأرض مساوية لمدة دورانه على نفسه لم يظهر لنا إلا أحد النصفين في سائر الحالات ، ولكون القمر غير مستضيء لا بد أنه لم يمكنا أن ننظر منه إلا الجزء المستضيء بالشمس ، وهذا هو السبب في تنوع صوره في أي العين ، وبيان ذلك أن القمر إذا توسط بين الشمس والأرض خفي عن بصرنا لأن نصفه المستقبل للأرض يكون بتمامه في الظلام فيسمى قمرا جديدا ومحاقا ، وتسمى هذه الحالة قرانا وبتقدمه في السير في دائرته ومحاذاته بالجزء المضيء يظهر أولا هلالا كالقوس المحرف بطرفيه جهة المشرق وفي ثامن يوم يظهر في صورة نصف دائرة لأن نصف الجزء المستضيء بشعاع الشمس هو المتوجه جهة الأرض فيسمى حينئذ الربع الأول ، ولا يزال يتقدم حتى يتم نصف دورانه حول الأرض إلى اليوم الخامس عشر فيوجه إلى الأرض سائر النصف المستنير الذي يظهر مدورا ، فيسمى حينئذ بدرا ، وتسمى هذه الحالة حالة الاستقبال ، ثم يأخذ الجزء المستضيء المحاذي الأرض في النقصان إلى اليوم الثاني والعشرين فلا يظهر لنا إلا نصف هذا الجزء فيسمى حينئذ الربع الأخير ، وإذا كان القمر في الربع الأول أو الأخير يقال : هو في التربيع لأن الخط الموصول من القمر إلى الأرض يصنع زاوية قائمة مع الخط الذي يوصل الأرض بالشمس ، والزاوية القائمة ربع الدائرة ، وإذا كان القران أو الاستقبال يقال إنه في درجة الاجتماع على خط مستقيم.
(المسألة الثانية عشرة)
في قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩)) [يس : الآية ٣٩]. والقمر قدرناه بالنصب بإضمار فعل يفسره الظاهر ، وقرئ بالرفع على الابتداء أي قدرنا له منازل ، وقيل قدرنا مسيره منازل ، وهي ثمان وعشرون : السرطان ، البطين ، الثريا ، الدبران ، الهقعة ، الهنعة ، الذراع ، النثرة ، الطرف ، الجهة ، الزبرة ، الصرفة ، العواء ، السماك ، الغفر ، الزباني ، الإكليل ، القلب ، الشولة ، النعائم ، البلدة ، سعد الذابح ، سعد بلع ، سعد السعود ، سعد الأخبية ، فرغ الدلو ، المقدم ، فرغ الدلو المؤخر ، الرشا وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه فإذا كان في آخر منازله ، وهو الذي يكون قبيل الاجتماع حتى يظهر هلالا جديدا يكون كالقوس المنحرف بطرفيه في جهة