والجند ، ولذلك ذكر وجمع الظهور. (الثالث). أن هذا التأنيث ليس تأنيثا حقيقيا فجاز أن يختلف اللفظ فيه كما يقال عندي من النساء من يوافقك.
(الثاني) : يقال ركبوا الأنعام ، وركبوا في الفلك ، وقد ذكر الجنسين فكيف قال تركبون؟
والجواب غلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة ، ثم قال تعالى : (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) [الزّخرف : الآية ١٣]. ومعنى ذكر نعمة الله أن يذكروها في قلوبهم ، وذلك الذكر هو أن يعرف أن الله تعالى خلق وجه البحر وخلق الرياح وخلق جرم السفينة على وجه يتمكن الإنسان من تصريف هذه السفينة إلى أي جانب شاء ، وأراد فإذا تذكر أن خلق البحر ، وخلق الرياح وخلق السفينة على هذه الوجوه القابلة لتصريفات الإنسان ولتحريكاته ليس عن ذلك وإنما هو من تدبير الحكيم العليم عرف أن ذلك نعمة عظيمة من الله تعالى ، فيحمله ذلك على الانقياد والطاعة له تعالى ، وعلى الاشتغال بالشكر لنعمه التي لا نهاية لها ، ثم قال تعالى : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) [الزّخرف : الآية ١٣].
(اعلم) أنه تعالى عين ذكرا معينا لركوب السفينة ، وهو قوله : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها). (اعلم) أن ركوب الفلك في خطر الهلاك فإنه كثيرا ما تنكسر السفينة ويهلك الإنسان ، وراكب الدابة أيضا كذلك ، لأن الدابة قد يتفق لها اتفاقات توجب هلاك الراكب ، وإذا كان كذلك فركوب الفلك والدابة توجب تعريض النفس للهلاك فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت ، وأن يقطع أنه هالك لا محالة وأنه منقلب إلى الله تعالى غير منقلب من قضائه وقدره حتى لو اتفق له ذلك المحذور كان وطن نفسه على الموت.
(في قوله تعالى :
(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [النّمل : الآية ٦٣])
(اعلم) أنه تعالى نبه في هذه الآية على أمرين : (الأول) : أن الهادي في الحقيقة ونفس الأمر هو الفاعل المختار وحده. (الثاني) : قوله : (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) والمراد يهديكم بالعلامات في الأرض ، وبالنجوم في السماء إذا جن الليل عليكم مسافرين في البر والبحر ، وفيه بحثان :