قال سبحانه وتعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) [الزّخرف : الآية ١٢]. كلها أي كل ما هو زوج فهو مخلوق فدل هذا على أن خالقها فرد مطلق منزه عن الزوجية.
(المسألة الثالثة) :
علماء الحساب بينوا أن الفرد فضل من الزوج من عدة وجوه :
(الأول) : إن أقل الأزواج هو الاثنان وهو لا يوجد إلا عند حصول وحدتين ، فالزوج يحتاج إلى الفرد والفرد هو الوحدة غنية عن الزوج ، والغني أفضل من المحتاج.
(الثاني) : أن الزوج يقبل القسمة بقسمين متساويين ، والفرد هو الذي لا يقبل القسمة ، وقبول القسمة انفعال وتأثر وعدم قبولها قوة وشدة ومقاومة فكان الفرد أفضل من الزوج.
(الثالث) : أن العدد الفرد لا بد وأن يكون أحد قسميه زوجا والثاني فردا ، فالعدد الفرد حصل فيه الزوج والفرد معا ، وأما العدد الزوج فلا بد وأن يكون كل واحد من قسميه زوجا ، والمشتمل على القسمين أفضل من الذي لا يكون كذلك.
(الرابع) : أن الزوجية عبارة عن كون كل واحد من قسميه معادلا للقسم الآخر في الذات والصفات والمقدار ، وإذا كان كل ما حصل له من الكمال فمثله حاصل لغيره لم يكن هو كاملا على الإطلاق ، وأما الفرد فالفردية كائنة له خاصة لا لغيره ولا لمثله فكان كماله حاصلا لا لغيرة فكان أفضل.
(الخامس) : أن الزوج لا بد وأن يكون كل واحد من قسميه مشاركا كالقسم الآخر في بعض الأمور ، ومغايرا له في أمور أخرى ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة ، فكل زوجين فيهما ممكنا الوجود لذاتهما ، وكل ممكن فهو محتاج فثبت أن الزوجية منشأ الفقر والحاجة ، وأما الفردانية فهي منشأ الاستغناء والاستقلال ؛ لأن العدد محتاج إلى كل واحد من تلك الوحدات ، وأما كل واحد من تلك الوحدات فإنه غني عن ذلك العدد فثبت أن الأزواج ممكنات ومحدثات ومخلوقات ، وأن الفرد هو القائم بذاته المستقل بنفسه الغني عن كل ما سواه فلهذا قال سبحانه : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [الزّخرف : الآية ١٢].
(السادس) : قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠)) [النّازعات : الآية ٣٠].
(اعلم) أن المواد الداخلة في تركيب الأرض كانت ابتداء على حالة بخار ، ثم صارت سائلة ، ومن هذا السائل تكونت الأجزاء التي لا تتجزأ وانضم كل جزء إلى أجزاء متكملة كتلا بسيطة ، ومن اجتماع بعض تلك العناصر مع بعضهما تكونت المركبات الأرضية.