وفيها مسائل :
(المسألة الأولى) :
(اعلم) أن في هذه الآية الاستدلال على وجود الصانع الحكيم ، وبعجائب أحوال النبات.
(واعلم) أن الماء المنزل من السماء هو المطر أما كون المطر نازلا من السماء أو من السحاب فقد تقدم ذكره موضحا ، والحاصل أن ماء المطر قسمان :
(القسم الأول) : هو الذي جعله الله تعالى شرابا لنا ولكل حي وهو المراد بقوله : (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) [النّحل : الآية ١٠]. وقد بين الله تعالى في آيات أخر أن هذه نعمة من النعم الجزيلة فقال : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : الآية ٣٠]. فإن قيل : أتقولون إن شرب الخلق لا يكون إلا من المطر ، أم تقولون قد يكون منه ومن غيره ، وهو الماء الموجود في قعر الأرض. أجاب القاضي بأنه تعالى بين أن المطر شرابنا ولم ينف شربنا من غيره.
ولقائل أن يقول : ظاهر الآية يدل على الحصر لأن قوله : (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) [النّحل : الآية ١٠]. يفيد الحصر ؛ لأن معناه منه لا من غيره ، إذا ثبت هذا فنقول : لا يمتنع أن يكون الماء العذب الذي تحت الأرض من جملة ماء المطر ، ويسكن فيها ، والدليل عليه قوله تعالى في سورة المؤمنين : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) [المؤمنون : الآية ١٨]. ولا يمتنع (١) هذا أيضا في غير العذب وهو البحر أن يكون من جملة ماء المطر مثل نيل مصر.
(القسم الثاني) : من المياه النازلة من السماء ما يجعله الله سببا لتكوين النبات وإليه الإشارة بقوله : (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) [النّحل : الآية ١٠]. إلى آخر الآية وفيه بحثان :
(الأول) : ظاهر الآية يقتضي أن أسامة الشجر ممكنة ، وهذا إنما يصح لو كان المراد بالشجر الكلأ والعشب ، وهاهنا قولان :
(الأول) : قال الزجاج : كل ما ينبت على الأرض فهو شجر وأنشد شعرا :
نطعمها اللحم إذا عز الشجر
__________________
(١) قوله : ولا يمتنع هذا ... إلخ. كذا بالأصل ، ولعل الصواب ولا يمتنع هذا أيضا في غير العذب ، وهو البحر الملح وأن يكون ... إلخ. فتأمل. اه.