تعالى : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) [الرّعد : الآية ١٧].
وقد تقدم شرحه ، وحينئذ نتخيل أنها أي الأرض كانت في ابتداء أمرها حادة غازية ، ومتى علم أن الجواهر الصلبة التي تستحيل إلى غازات تشغل حجما قدر حجمها الأصلي بقدر ألف وثمانمائة حجم ، نتج من ذلك أن هذه الكتلة الغازية كانت ذات حجم عظيم وحيث إن الكتلة الغازية التي كانت تتكون منها الأرض ذات حرارة مرتفعة جدا كانت تضيء في الفراغ كما تضيء الشمس الآن ، وكما تضيء النجوم الثابتة والسيارة ليلا ، وهذه الكتلة الغازية المضطرمة لما دارت حول الشمس على مقتضى ما جعل تعالى من قوة الجذب العام ، كانت منقادة إلى القوانين المؤثرة في بقيّة الجواهر المادية ، فكانت تبرد وتترك جزأ من حرارتها لطبقات الفراغ الباردة جدا التي بين الأفلاك ، فبسبب هذا التبريد المستمرّ مع طول الزمن الذي لا يمكن تعيين مدته ولو على وجه التقريب صارت الأرض سائلة بعد أن كانت غازية فتناقص حجمها تناقصا عظيما ، ومن المقرر في المشاهدات أنّ الجسم السائل المتحرك حركة رحوية يكتسب شكلا كرويا فبهذه الكيفية اكتسبت الأرض الشكل الكروي المميز لها ولأغلب الأجسام السماوية ، وليست الأرض منقادة إلى حركة رحوية حول الشمس فقط ، بل لها حركة دوران على محورها أيضا يتكون منها تعاقب الليل والنهار ، وقد تقرر أيضا بالمشاهدات التجريبية أن الكتلة السائلة المتحركة تنتفخ نحو خط استواء الكرة ، وتتفرطح نحو قطبيها بسبب اختلاف القوة المركزية الطاردة ، وبسبب هذه الظاهرة لما كانت الأرض سائلة انتفخت نحو خط الاستواء ، وتفرطحت نحو القطبين ، واستحالت من الشكل الكروي إلى شكل كرة مفرطحة نحو قطبيها.
(واعلم) أن انتفاخ الأرض نحو خط الاستواء وتفرطحها نحو القطبين دليل على أن الأرض كانت سائلة ابتداء ، فإن الكرة الصلبة التي من العاج لا يتغير شكلها إذا دارت على محورها قرونا ومتى كانت سائلة أو عجينية انتفخت نحو وسطها وتفرطحت نحو طرفي محورها.
(واعلم) أنه لو لم يخلق الله تعالى الأرض أولا غازا ، ثم سال فصار ماء ، ثم تعجن فصار صلبا لما كانت الأرض فراشا لنا ، فسبحان القادر الحكيم الحميد البديع الفعال لما يريد ، وبناء على ما تقدم لك من الأدلة المفصلة على ما قاله أهل الهيئة تبين للبيت حق البيان أن الأرض دائرة لا محالة كما لا يخفى على المتفطن.