طرقهم وأساليبهم. ومن ذلك قولهم : لو قيل للشحم أين تذهب ، لقال : أسوّي العوج. وكم لهم من أمثال على ألسنة البهائم والجمادات. وتصوّر مقالة الشحم محال ، ولكن الغرض أن السمن في الحيوان ممّا يحسّن قبيحه ، كما أن العجف مما يقبّح حسنه. فصوّر أثر السمن فيه تصويرا هو أوقع في نفس السامع ، وهي به آنس ، وله أقبل ، وعلى حقيقته أوقف.
وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها.
وهنا تقوم أمام الزمخشري صعوبات ومشاكل ، يصوّرها لنا في سؤاله :
فإن قلت : قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لا يثبت على رأي واحد : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ؛ لأنه مثّلت حاله في تميّله وترجّحه بين الرأيين ، وتركه المضي على أحدهما بحال من يتردّد في ذهابه ، فلا يجمع رجليه للمضي في وجهه. وكل واحد من الممثّل والممثّل به ، شيء مستقيم ، داخل تحت الصحة والمعرفة. وليس كذلك ما في هذه الآية ، فإنّ عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال في نفسه ، غير مستقيم ، فكيف صحّ بناء التمثيل على المحال. وما مثال هذا إلّا أن تشبّه شيئا ، والمشبّه به غير معقول.
ولكنّ الزمخشري لا توقفه هذه الصعوبات ، بل نراه يتخلّص منها بكل دقّة وبراعة ؛ حيث يقول :
قلت : الممثّل به في الآية وفي قولهم : «لو قيل للشحم أين تذهب ...» وفي نظائره ، مفروض ، والمفروضات تتخيّل في الذهن كما المحقّقات : مثّلت حال التكليف في صعوبته ، وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها (١).
__________________
(١) الكشاف ، ج ٣ ، ص ٥٦٤ ـ ٥٦٥.