الْجَحِيمِ)(١) ؛ ولأنه لو ضلّ به أحد لكان بقاؤه مفسدة. وقال أبو هاشم : يجوز أن يضلّ به قوم ، ويكون خلقه جاريا مجرى خلق زيادة الشهوة ، فإنّ هذه الزيادة من الشهوة لا توجب فعل القبيح إلّا أنّ الامتناع منها يصير أشقّ ، ولأجل تلك الزيادة من المشقّة تحصل الزيادة في الثواب ، فكذا هنا بسبب إبقاء إبليس يصير الامتناع من القبائح أشدّ وأشقّ ، ولكنه لا ينتهي إلى حد الإلجاء والإكراه.
وأجاب الرازي : أن الشيطان لا بدّ أن يزيّن القبائح ، ومعلوم أن حال الإنسان مع هذا التزيين لا يكون مساويا مع عدمه. فحصول هذا التزيين يوجب الإقدام على القبائح ، وهو إلقاء في المفسدة. ومسألة الزيادة في الشهوة حجة أخرى لنا في أنّ الله لا يراعي مصلحة العباد بسبب خلق تلك الزيادة في شهوة الإنسان ، وحصول الزيادة في الثواب لا حاجة إليه ؛ حيث دفع العقاب المؤبّد من أعظم الحاجات ، فلو كان إله العالم مراعيا لمصالح العباد لاستحال أن يهمل الأكمل الأعظم ؛ لطلب الزيادة التي لا حاجة إليها ولا ضرورة (٢).
انظر كيف فضح أصحابه بهذا النمط من البحث ، والخوض في مسألة تمسّ جانب حكمته تعالى ، فينفي كونه تعالى حكيما لا يفعل إلّا عن مصلحة ، والمصلحة التي يراعيها الخالق تعالى إنما تعود إلى العباد أنفسهم ؛ حيث في ذاته تعالى الغناء المطلق. كما أنه يتنافى وقاعدة اللّطف الناشئة عن مقام حكمته تعالى ، بفعل ما يقرّب العباد إلى الطاعة ، ويبعّدهم عن المعصية. وهو أساس التشريع وبعث الأنبياء وإنزال الكتب ، الأمر الذي يعترف به الإمام الرازي.
نعم لا شك أنه تعالى حكيم لا يفعل إلّا عن مصلحة تعود إلى العباد أنفسهم ؛
__________________
(١) الصافات / ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) التفسير الكبير ، ج ١٤ ، ص ٣٩ ـ ٤٠.