أهل الاعتدال في النظر ، فيؤوّل الآيات على خلاف ما يراه أهل الظاهر من الصفاتيين ، من الأشاعرة وأهل القول بالجبر والتشبيه.
مثلا ، في قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(١) يقول : «ختم الله على قلوبهم» أي شهد عليها بأنها لا تقبل الحق. يقول القائل : أراك تختم على كل ما يقول فلان ، أي تشهد به وتصدّقه ، وذلك استعارة. وقيل : «ختم» بمعنى طبع فيها أثرا للذنوب ، كالسمة والعلامة ، لتعرفها الملائكة فيتبرّءوا منهم ، ولا يوالوهم ، ولا يستغفروا لهم. وقيل : المعنى أنّه ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنّها لا يدخلها الإيمان ، ولا يخرج عنها الكفر. قال الشاعر :
لقد أسمعت لو ناديت حيّا |
|
ولكن لا حياة لمن تنادي (٢) |
وعند قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٣) يقول : والمعنى أنهم صم عن الحق لا يعرفونه ؛ لأنهم كانوا يسمعون بآذانهم. وبكم عن الحق لا ينطقون. مع أن ألسنتهم صحيحة ، عمي لا يعرفون الحق وأعينهم صحيحة ، كما قال : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)(٤). قال : وهذا يدل على أن قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) و (طَبَعَ اللهُ عَلَيْها)(٥) ليس هو على وجه الحيلولة بينهم وبين الإيمان ؛ لأنه وصفهم بالصم والبكم والعمى مع صحة حواسهم ، وإنما أخبر بذلك عن إلفهم الكفر واستثقالهم للحق والإيمان ، كأنهم ما سمعوه
__________________
(١) البقرة / ٧.
(٢) التبيان ، ج ١ ، ص ٦٣ ـ ٦٤.
(٣) البقرة / ١٨.
(٤) الأعراف / ١٩٨.
(٥) النساء / ١٥٥.