قيل : فقد ورد في الشرع أشياء يقتضي العقل خلافها ، قيل : كلا ، فإن جميع ما ورد به الشرع لا ينفك من وجهين ؛ إما شيء يحكم به العقل لكونه حسنا ، مثل استعمال إله في الجملة ، وعبادة الرّب ، أو يكون غير مهتد إلى معرفته لا أنه يستقبحه ، فيبيّن الشرع حسنه ، وذلك كأعداد الصلوات وهيئاتها وأركانها ، في كونها عبادة على وجه دون وجه ، وأما أن يأتي الشرع بشيء قد قضى العقل بكونه قبيحا فليس ذلك بموجود ، وبعض الناس تصور أشياء ينفر الطبع منها لعادات جارية ، أو اعتقادات فاسدة ، ولم يفرّقوا بينه وبين حكم العقل ، فظنوا أن العقل حكم بضد الشرع ، كذبح البهائم.
إن قيل : ما وجه تعلّق / هذه الآية بما تقدّم؟ [قيل](١) : لمّا ذكر فيما تقدّم أحوال الذين يتحاكمون إلى الطاغوت ، ويتركون كتاب الله ورسوله ، ويقاتلون في سبيل الطاغوت ، وذكر الذين يخشون الناس ومقالهم فيما نالهم من حسنة أو سيئة ، ومخالفتهم في الطاعة ، وكان كل ذلك منهم لقلة تأمّلهم كتاب الله ، وتقديرهم أن ما أمروا به في ثاني الحال من القتال مناقض لما أمر به قبل ، من كفّ اليد وغير ذلك ، بما يختلف لاختلاف الأحوال ، نبههم تعالى في هذه الآية أن كل ذلك لقلة تدبرهم ،
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.