قوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١) إعداد الشيء تهيئته قبل الحاجة إليه ، وإنما أراد تقديره وإيجاده ، فلا حاجة به تعالى إلى الإعداد ، وأصله من العدّ ، وقولك : أعددت كذا لكذا ، أي اعتبرت قدره بقدره (٢) ، إن قيل : ما وجه ذكر اتقوا النار بعد قوله : (اتَّقُوا اللهَ :) قيل : قد تقدّم (٣) أن قوله : (اتَّقُوا اللهَ) يقال باعتبار ذاته ، واتقوا النار باعتبار عقابه ، فالأول للأولياء الأصفياء ، ولذلك وصله بالفلاح الذي هو أعلى درجة الثواب. والثاني للمذنبين ، فلذلك وصله بالرحمة (٤) ، ولما كانت المنزلة الأولى لا تحصل إلا لمن حصلت له المنزلة الثانية ، حثّ كافة
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآيتان : ١٣١ ، ١٣٢.
(٢) انظر : العين (١ / ٧٩ ، ٨٠) ، والأفعال لابن القوطية ص (١٦) ، وتهذيب اللغة (١ / ٩٠) ، والمفردات ص (٥٥٠).
(٣) انظر : تفسير الراغب المخطوط (ق ٢٩) عند تفسير قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).
(٤) قال البقاعي : «ولما كان الفائز بالمطالب لا يوقى المعاطب قال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ) أي إن لم تكونوا ممن يتقيه سبحانه لذاته. نظم الدرر (٢ / ١٥٦). قلت : وهذا أحسن مما قاله أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٥٨) قال : «لما تقدم (اتَّقُوا اللهَ) والذوات لا تتقى ، فإنما المتقى محذوف أو ضحه في هذه الآية : (وَاتَّقُوا النَّارَ).