قيل : لمّا كانت اليد هي (١) الآلة الصانعة المختصة بالإنسان ، فإنه لما كفى كل واحد من الحيوانات بما احتاج إليه من الأسلحة والملابس ، وسخّره لاستعمالها في الدفع عن نفسه ، وخلق الإنسان عاريا من كل ذلك ، جعل له الرؤية واليد الصانعة ، ليعلم برؤيته ، وليعمل بيده فوق ما أعطى الحيوانات ، فلما كان لليد هذه الخصوصية صارت تخص بإضافة عمل الجملة إليها (٢) ، إن قيل : لم خص لفظ ظلّام الذي هو للتكثير في نفي الظلم في هذا المكان ، ولم يقل على ما قال في قوله : (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٣) ، الذي هو يقتضي نفي الظلم قليله وكثيره؟ قيل : إنما خص ذلك لأنه لما كان في الدنيا قد يظن بمن يعذب غيره عذابا
__________________
(١) في الأصل : (كان اليد هو) ، ولعله خطأ من الناسخ.
(٢) قال أبو حيان : «... ونسب ما قدّموه من المعاصي القولية والفعلية والاعتقادية إلى الأيدي على سبيل التغليب ، لأن الأيدي تزاول أكثر الأعمال ، فكان كل عمل واقع بها ...» البحر المحيط (٣ / ١٣٦) ، وانظر : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين للراغب ، حيث فصّل القول في هذه المسألة ، وعقد لها بابا عنوانه [هداية الأشياء إلى مصالحها] ص (١٢٤) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٠٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٩٥) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٢٠) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٩٣) ، وروح المعاني (٤ / ١٤٢).
(٣) سورة النساء ، الآية : ٤٠.