وتخصيص النعاس تنبيه على صيانتهم من الحالة المذمومة من الامتلاء من النوم (١) ، ومنهم من جعله استعارة لطمأنينة جأشهم ، وزوال خوفهم ، وذلك لما ترى من حال المطمئن ، ويوصف المغموم بالسهر (٢) ، ومنهم من تجاوز ذلك ، وقال : إنّه لمّا ذكر في الأول قوله : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ)(٣) بيّن هاهنا أنه تعالى هذّب طائفة من المؤمنين ، حتى صارت نفوسهم آمنة مطمئنة تحت قضاء الله ، وهذه حالة الرضى ، فقد قيل : الرضى أن يكون العبد ساكنا تحت قضاء الله ، مطمئنا عند كل وارد سرّ أم ساء (٤) ، وهذه الحال ادّعاها الشاعر صادقا أو كاذبا في قوله :
__________________
ـ الدلائل على حفظ الله وكلاءته معهم. تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٨٤).
(١) لأن النعاس هو الوسن وأول النوم. انظر : النهاية (٥ / ٨١).
(٢) تقدم أن قول كافة المفسرين هو حمل النوم على الحقيقة ، ولم أقف على صاحب هذا القول الآخر ، إلا أن النيسابوري قال : «ومن الناس من زعم أن ذكر النعاس ههنا كناية عن غاية الأمن ، وهذا صرف للفظ عن ظاهره من غير ضرورة ، مع أن منه إبطال الفوائد والحكم المذكورة» تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٨٤).
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٣.
(٤) وهذا أيضا يرجع إلى القول السابق ، وفيه مخالفة للكافة من أهل التأويل ، وصرف للألفاظ عن مدلولها بلا حاجة.