(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) [الفاتحة : ١ / ٥].
والمشرك متناقض مع نفسه ، عاجز عن جلب النفع لنفسه ودفع الضّرر والسوء ، فتراه إذا وقع في محنة أو أزمة لجأ إلى الله ، ثم نسيه ، وإذا ركب المشركون في السفن دعوا الله مخلصين لكي ينجيهم من المخاطر والأهوال ، فإذا ما نزلوا على الأرض ، اتجهوا إلى آلهتهم ، وقالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فهم في الشّدة مع الله ، وفي الرّخاء يسوّون بالله غيره ، فإذن هم يحبّون آلهتهم كحبّ الله ، والذين آمنوا لا يحبّون إلا الله وحده لا شريك له.
حكى القرآن أحوال المشركين مع آلهتهم في الدنيا والآخرة ، فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧)) (١) (٢) (٣) (٤) [البقرة : ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٧].
وأتبع ذلك بمناسبة كون أوضاع المشركين خبيثة المنافع ، أمر الله بالطيب النافع فقال تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩)) [البقرة : ٢ / ١٦٨ ـ ١٦٩]
__________________
(١) أي نظراء وأمثالا مخالفين من الآلهة يعبدونها.
(٢) الأسباب : الصلات والعلاقات.
(٣) أي رجعة إلى الدنيا.
(٤) أي ندامات شديدة.