وفي هذا دليل ظاهر على صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنه يعلم ما في التوراة ، وأنها مؤيدة لما في القرآن ، وأن النبي أولى بإبراهيم وملته ، لا تختلف عن ملته ، فكل من إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام مائل عن الباطل إلى الحق ، وما كان حلالا عند إبراهيم فهو حلال عند المسلمين.
واستمر تحريم لحوم الإبل وألبانها عند اليهود استنانا بما فعله يعقوب نفسه ، ثم حرم الله عليهم في التوراة بعض الطيبات عقوبة لهم على أفعالهم ، قال الله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠)) [النساء : ٤ / ١٦٠]. وقال سبحانه : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)) [الأنعام : ٦ / ١٤٦].
إن إباحة الطعام وتحريمه في البيان الإلهي يقوم على مبدأ واحد لا يتغير ، فما كان طيبا نافعا غير ضار فهو الحلال ، وما كان خبيثا ضارا بصحة الإنسان ، فهو الحرام ، ومن هنا لا يوجد اختلاف بين منهج الإسلام وبين منهج أي دين آخر في التحليل والتحريم ، وهذا سبب آخر يدعو البشرية إلى التوافق والتقارب والتآخي والتعاون ، والبعد عن موجبات الفرقة والخصام والنزاع ، وليس لأمة القرآن من باب أولى إلا أن تتحد مشاعر أبنائها ، وتتعاطف مع بعضها ، وتترك كل ما يصدع وحدتها ويسيء إلى كرامتها وعزتها.
مكانة البيت الحرام
كان من الطبيعي بعد بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم أن يشتد الحوار بين النبي وبين أهل الكتاب ، فإنهم أتباع دين سابق ، ولهم أعرافهم وتقاليدهم ، فكانوا يثيرون الشبهات مثل شبهة تحريم الإبل وألبانها ، ومثل المفاضلة بين بيت المقدس والبيت الحرام.