الحاجة إلى الأنبياء والرّسل
لقد ثبت في التاريخ الإنساني أن الناس لم يتمكّنوا بمجرد عقولهم وخبراتهم وتجاربهم وفطرتهم البدائية أن يعرفوا الحلّ الأمثل والتشريع الأفضل الذي يحتكمون إليه في منازعاتهم وخلافاتهم ، ليتوصلوا إلى الوحدة والانسجام ، والسكينة والاطمئنان ، والسعادة والاستقرار. فكان من الضروري وجود الهداية الإلهية والإرشادات الرّبانية لإنقاذ الناس من الضلالة والانحراف إلى نور الحق والإيمان ، وصار من المؤكد أن الاهتداء بهدي الأنبياء والرّسل ضروري للبشر ، وتبين فعلا أن الدين الإلهي هو السبب الوحيد لسعادة النوع الإنساني ، والمصلح لأمر الحياة ، والمقوّم لاعوجاج البشر ، يوحّد بين الآراء ، ويجمع العقول والأفكار ، وينبّه إلى ما فيه المصلحة الحقيقة ، ويبعد عما فيه شرّ وفساد ، وزيغ وانحراف.
قال الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)) (١) [البقرة : ٢ / ٢١٣].
ومعنى الآية أن الناس كانوا في بداية أمرهم على السواء على الفطرة الساذجة ، والبدائية العقلية ، يتصرفون في حياتهم ومعايشهم وعلاقاتهم الاجتماعية بحسب الرغبات الذاتية والغرائز البشرية ، لا يعرفون منهج الحياة الأفضل ، ولا مستوى المدنية والحضارة الأرقى ، ولا شيئا عن الأنظمة والشرائع التي تنظم علاقات الناس ، وتجعلهم يعيشون في راحة وطمأنينة ، بعيدين عن المنازعات والخلافات التي تهدّد وجودهم وتضعف شأنهم ، فجاءت الشرائع الإلهية على يد الأنبياء والرّسل يبشّرون
__________________
(١) حسدا وظلما.