وفي مقابل هذا العنصر الخبيث نجد في الأمة أنموذجا طيبا آخر ، هو صهيب بن سنان وأمثاله من المجاهدين المخلصين ، أراده المشركون على الكفر ، فأبى ، وأخذوا ماله ، وفرّ بدينه إلى المدينة ، فأنزل الله في شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٢٠٧)) (١) [البقرة : ٢ / ٢٠٧] أي رؤف بعباده حيث كلفهم الجهاد في سبيل الله ، فعرّضهم بذلك لثواب الشهداء. قال سعيد بن المسيب : أقبل صهيب مهاجرا نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاتّبعه نفر من قريش من المشركين ، فنزل عن راحلته ، ونثر ما في كنانته (٢) ، وأخذ قوسه ، ثم قال : «يا معشر قريش ، لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، ثم افعلوا ما شئتم. قالوا : دلّنا على بيتك ومالك بمكّة ونخلّي عنك ، وعاهدوه إن دلّهم أن يدعوه ، ففعل ، فلما قدم على النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أبا يحيى ، ربح البيع ، ربح البيع» وأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).
وقال المفسّرون : أخذ المشركون صهيبا فعذّبوه ، فقال لهم صهيب : إني شيخ كبير ، لا يضرّكم ، أمنكم كنت أمّن من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتذروني وديني؟ ففعلوا ذلك ، وكان قد شرط عليهم راحلة ونفقة ، فخرج إلى المدينة ، فتلقاه أبو بكر وعمر ورجال ، فقال له أبو بكر : ربح بيعك أبا يحيى ، فقال صهيب : وبيعك ، فلا بخس ، وما ذاك؟ فقال : أنزل الله فيك كذا ، وقرأ عليه هذه الآية.
__________________
(١) يبيعها ببذلها في طاعة الله تعالى.
(٢) أي أخرج ما في جعبة السهام من سهام.