روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) [المائدة : ٥ / ٨٧] في القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللحم على أنفسهم قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها ، فأنزل الله تعالى ذكره : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ..) الآية. علّق الطبري على ذلك بقوله : فهذا يدلّ على ما قلنا من أن القوم كانوا حرّموا ما حرّموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها ، فنزلت هذه الآية بسببهم.
والمعنى : لا مؤخذة بالأيمان التي تحلف بلا قصد ، ولا يتعلّق بها حكم ، وهي اليمين اللغو : وهي التي تسبق على لسان الحالف من غير قصد ، قالت عائشة : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «هو كلام الرجل في بيته : لا والله ، وبلى والله».
ولكن المؤاخذة باليمين المنعقدة : وهي التي يحدث الحلف فيها على أمر في المستقبل بتصميم وقصد أن يفعله أو لا يفعله. وتكون بالحلف فيها بالله أو بصفة من صفاته ، لقوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه الجماعة عن ابن عمر : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت». ولا تنعقد اليمين بغير الله من المخلوقات كنبي أو ولي ، بل إنه حرام.
ونوع المؤاخذة في اليمين المنعقدة : هو إيجاب الكفارة عند الحنث باليمين أي عدم البر ومخالفة مقتضى اليمين ، وعلى الحانث الكفارة سواء كان عامدا أو ساهيا أو ناسيا أو مخطئا ، أو نائما ومغمى عليه ومجنونا أو مكرها.
والكفارة على الموسر مخيّر فيها بين ثلاث خصال : إطعام عشرة مساكين مدّ طعام (قمح) أي ٦٧٥ غم من النوع المتوسط الغالب أكله على أهل البلد ، ليس بالأجود الأعلى ولا بالأردإ الأدنى ، وهو أكلة واحدة : خبز ولحم ، وتقدير المدّ بالقيمة حوالي ٢٥ أو ٣٠ ل. س في عصرنا. هذه خصلة.