نزلت هذه الآية ـ كما ذكر ابن عباس ـ في عمر وأبي جهل ، الأول يمثّل الإيمان ، والثاني يمثّل الكفر والضّلال ، وكل منهما رمز لفئة. شبّه الله تعالى الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا ، وشبّه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يتردّدون فيها ، ولا يمكنهم الخروج منها ، ليبيّن الله عزوجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.
هذه مقارنة أو موازنة بين أهل الإيمان وجماعة الكفر ، أفمن كان ميتا بالكفر والجهل ، فأحييناه بالإيمان ، وجعلنا له نورا يضيء له طريقه بين الناس ، وهو نور القرآن المؤيّد بالحجة والبرهان ، وهو أيضا نور الهدى والإيمان ، أهذا الفريق مثل الفريق السائر في الظلمات : ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر ، وهو ليس بخارج منها ، أي لا يهتدي إلى منفذ ولا مخلص مما فيه ، كما قال الله تعالى في آيات أخرى ، منها : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢)) [الملك : ٦٧ / ٢٢].
وبما أن الاهتداء إلى الإيمان ، والانغماس في ظلمات الكفر والضّلال بسبب من الإنسان واختيار منه ، فإن الله تعالى يزيد المؤمنين توفيقا إلى الخير ، ويترك الكافرين سائرين في متاهات الكفر ، لذا ختمت الآية بهذه الحقيقة وهي : كما زيّن الله الإيمان للمؤمنين ، زيّن للكافرين الكفر والمعاصي ، أي حسّن لكل فريق عمله ، فحسّن الإيمان في أنظار المؤمنين ، وحسّن الكفر والجهالة والضّلالة في أعين الكافرين ، كعداوة النّبي صلىاللهعليهوسلم وذبح القرابين لغير الله ، وتحريم ما لم يحرّمه الله ، وتحليل ما حرّمه.
ثم أورد الله تعالى ما يدلّ على سنّة ثابتة في البشر ، وهم الذين يعيشون في الظلمات كأبي جهل بن هشام وحالهم وحال أمثالهم ، فمثلهم جعل الله في كل قرية أكابر مجرميها رؤساءها ودعاتها إلى الكفر والصّدّ عن سبيل الله ، ليمكروا فيها بالصّد عن