يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)) (١) (٢) [آل عمران : ٣ / ١٩٦ ـ ٢٠٠].
ذكر بعض الرواة : أن بعض المؤمنين قالوا : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ، وقد هلكنا من الجوع والجهد ، فنزلت هذه الآية : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦)).
والمراد من الآيات أنه لا تغتر أيها المخاطب بما تراه في الدنيا من ظواهر الأشياء ، ولا تظن أن حال الكفار حسنة بما تراه عندهم من مظاهر الثراء والسعادة ، ولا تنزعج لذلك ، فإنهم يتقلبون في البلاد ويترددون في شؤون التجارة والكسب ، ويتمتعون بزخارف الدنيا ، وينتفعون بخيراتها ، ولكن تمتعهم بما لديهم قليل ، فهو قصير الأمد وزائل ، وكل زائل قليل. ثم يكون مصيرهم القاتم المدمر : وهو دخول جهنم ، وبئس المكان الممهد الموطأ لهم كالفراش ، وهذا على سبيل التهكم بوصف بلاط جهنم كأنه الفراش.
وفي مقابل فئة الكفار نجد فئة المؤمنين الذين إذا قورن حالهم في الدنيا والآخرة بحال غيرهم ، ظهر الفرق جليا ، ليعرف المسلمون أنهم أسعد حالا في دنياهم ، وآخرتهم. هؤلاء المؤمنون الذين اتقوا ربهم بفعل الطاعات واجتناب المنهيات لهم جنات المأوى والنعيم ، تجري من تحت غرفها وبساتينها الأنهار ، نزلا معدا لهم كما يعد النزل للضيف من زاد وغيره ، وما أعد الله لهم خير لأهل البر الذين فعلوا الخير وأخلصوا فيه ، أي إنه خير مطلق محض لا يقارن به سواه ، ولا تفاضل بينه وبين غيره ، لأن ما أعد للكفار شر محض لا خير فيه.
وإنصافا للحقيقة وإبرازا للحق والعدل ، أخبر القرآن الكريم أن بعض أهل
__________________
(١) غالبوا في الصبر.
(٢) أقيموا في الثغور الحدود المجاورة للأعداء مستعدين للجهاد.