حسم الموقف مع المشركين
تستمر محاولات الإصلاح عادة بين المصلحين وأقوامهم ، وقد صبر الأنبياء كثيرا صبرا طويلا في سبيل هداية أقوامهم وإصلاحهم ، ولكن لا يعقل أن تظلّ الأمور سائرة من غير حسم ، فلا بدّ في النهاية من اتّخاذ موقف حاسم ، تتبلور به الأحوال ، ويتبين للأجيال ضرورة العمل على سلوك طريق الحق ، وترك طريق الشّر ، وهذا المنهج هو ما عبّر عنه القرآن الكريم بين النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم وقومه المشركين في الآيات الآتية :
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)) (١) (٢) [الأنعام : ٦ / ٥٦ ـ ٥٨].
نزلت آية : (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ..) في النّضر بن الحارث ورؤساء قريش ، كانوا يقولون : يا محمد ، ائتنا بالعذاب الذي تعدنا به استهزاء منهم ، فنزلت هذه الآية.
أمر الله تبارك وتعالى نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يجاهر قومه بالتّبري مما هم فيه ، والمعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين : إني نهيت من ربّي ومنعت من عبادة ما تدعونهم وتطلبون منهم الخير ودفع الضّر ، من صنم أو وثن أو عبد صالح مهما كان شأنه ، أو ملك من الملائكة ، لقد حجزت أو صرفت عن هذا كله بالآيات القرآنية والأدلة العقلية والحسّية ، فألوهيّة غير الله وعبادتهم باطلة بأبسط فكرة وأدنى تأمّل.
__________________
(١) يبيّنه بيانا شافيا.
(٢) خير الفاصلين بين الحق والباطل.