بحكمه ، ونحن قد أمرنا بقتل أنفسنا ، ففعلنا ، وبلغ القتل فينا سبعين ألفا ، فقال ثابت ابن قيس : لو كتب ذلك علينا لفعلناه ، فنزلت الآية معلمة حال أولئك المنافقين ، وأنه لو كتب ذلك على الأمة ، لم يفعلوه ، وما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محققون ، كثابت ابن قيس وغيره ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ثابت بن قيس ، وعمار ، وابن مسعود من القليل».
والواقع أنه لو فرض على أمتنا قتل النفس من أجل التوبة لفعلوه ، قال رجل مؤمن وهو أبو بكر الصديق حين نزول هذه الآية : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن من أمتي رجالا ، الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي» وقال عمار بن ياسر وابن مسعود وثابت بن قيس : لو أن الله أمرنا أن نقتل أنفسنا أو نخرج من ديارنا لفعلنا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه السيوطي في الدر المنثور والزبيدي في اتحافه : «الإيمان أثبت في قلوب الرجال من الجبال الرواسي».
إن هذه الآيات تتطلب إطاعة الأوامر الإلهية إيمانا راسخا كالجبال الراسيات الثوابت ، والطاعة : حمل النفس على فعل ما تكره ، لا على ما تجب ، وصحيح أن التزام الأوامر الإلهية وطاعة الرب إطاعة تامة لا يفعلها إلا فئة قليلة من الناس ، ولكن لو فعل هؤلاء المأمور به ، وتركوا ما ينهون عنه ، لكان لهم خيرا في الدنيا والآخرة ، ودليلا على الثبات على الحق ، وسببا لاستحقاق الثواب العظيم في الآخرة ؛ لأن الجنة حفّت بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات. وفي قوله تعالى : (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) إشارة صريحة إلى تعلق النفوس البشرية ببلادها ، وإلى أن حب الوطن متمكن في النفوس ومتعلقة به ، لأن الله سبحانه جعل الخروج من الديار والأوطان معادلا ومقارنا قتل النفس ، فكلا الأمرين عزيز ، ولا يفرط أغلب الناس بذرة من تراب الوطن مهما تعرضوا للمشاق والمتاعب والمضايقات.