ثمّ إنّ هذا الملاك لو تمّ ، فلا يختص بالعبادات ، بل يشمل الواجبات التوصّليّة إذا نهي عن بعض أفرادها ، «كردّ السلام» ، لو فرض أن نهي عنه بكيفيّة خاصة ، فحينئذ ، إذا ردّ المكلف السلام بهذه الكيفية المنهيّ عنها ، لا يكون ردّه مجزيا ، لنفس البيان السابق. والصحيح في المقام عدم تمامية هذا الملاك إلّا في القسم الأول من أقسام النّهي الذي لا مثال عملي له في الفقه.
وتوضيح ذلك ، يتوقف على بيان مقدمة ، وحاصلها : إنّ الأوصاف المتنافية على قسمين :
١ ـ القسم الأول : الأوصاف التي تكون متنافية ، بحمل «هو هو» ، وبحمل «ذو هو» ، وذلك كالعلم والجهل ، فهما وصفان متنافيان بكلا الحملين ، فلا يصح حملهما على موضوع واحد ، بحمل «هو هو» ، فلا يقال : «هذا الشيء علم» ، وهو بعينه جهل ، كما لا يصح حملهما على موضوع واحد بحمل «ذو هو» ، فلا يقال : «زيد ذو علم بتلك القضية ، وذو جهل بنفس تلك القضية».
٢ ـ القسم الثاني : الأوصاف المتنافية بحمل «هو هو» دون حمل «ذو هو» ، وذلك كالبياض والرائحة ، فلا يحملان على موضوع واحد بحمل «هو هو» فلا يقال : «هذا بياض» ، وهو بعينه رائحة ، لأنّ البياض كيف مبصر ، والرائحة كيف مشموم ، وهما متنافيان ، لكن هما غير متنافيين بحمل «ذو هو» ، فلا مانع أن يقال : «هذا الشيء ذو بياض» ثمّ يشار إلى نفس ذلك الشيء ويقال : إنّه «ذو رائحة».
وبعد هذه المقدمة ، نأتي إلى محل الكلام فنقول : إنّ الأحكام التي تكون من قبيل القسم الأول من الأقسام الخمسة ، بأن يكون النّهي نفسيا ، خطابا وملاكا ، كالنّهي عن الشرك بالله تعالى ، كما أنّ الأمر نفسي ، خطابا وملاكا ، كالأمر بمعرفة الله تعالى ، ففي مثل ذلك ، نفس متعلق النّهي ، هو مفسدة ، ونفس متعلق الأمر هو مصلحة ، فتكون المصلحة والمفسدة محمولتين على المتعلق بحمل «هو هو» ، لأنّه يقال : الشرك بالله مفسدة ،