فمتى تتصوّر الإنسان ، تتصوّر فيه نكتة لها الإمكان ، وهكذا في اجتماع النقيضين ، إذن فتكون النكتة خارجة.
وعليه فالصحيح أن نعترف لهذه المحمولات والعوارض في القسم الثالث ، بأنّها أمور خارجيّة بنفسها ، لا بوجودها ، فهي كالأعدام خارجيّة بنفسها. بمعنى أنّ الأعدام والعدم واقعي بنفسه ، وليس معناه ، أنّ وجوده خارجا بمعنى أنّه موجود خارجا ، فتكون خارجيته بوجوده ، ليس هكذا ، لأنّ العدم أفقه أوسع من أفق الوجود ، وهو لا يتقبّل الوجود.
وهذا المسلك هو الذي يمكن أن يوصل إلى بطلان مقالة من يحصر الخارج بالمادة وظواهر المادة ، إذ إنّ مدّعي هذا الحصر ، لا يمكنه أن يفسّر هذه العوارض ، إذ من الضروري صدق ، أنّ المساوي للمساوي مساو ، فهو أمر حقيقي صادق بقطع النظر عن وجود أيّة مادة أصلا ، لأنّها قضيّة خارجية ، لا ماديّة ، ولا قائمة بمادة.
وهذا معناه ، أنّ الواقعيّة والخارجيّة أوسع من المادية ، فلوح الواقع أوسع من لوح الوجود.
وقد نقل عن المحقّق نصير الدين الطوسى «قده» (١) اقتراحا لحل هذه المشكلة ، وهو التسليم بأنّ المحمولات والعوارض في القسم الثالث ، أمور خارجيّة ، لكن هي عوارض للعقل الأول قائمة فيه ، لا ذهنيّة ، لكي يقال : إنّها إذا كانت ذهنية ، والذهن يخلقها ، فكيف تكون صحيحة حتى مع فرض عدم الذهن؟.
وهذا الحل أيضا غير صحيح ، لأنّ هذه القضايا مطلقة ثابتة حتى مع عدم وجود العقل الأول ، إذ النقيضان لا يجتمعان قضية مطلقة ثابتة حتى لو لم يوجد عقل أول.
__________________
(١) الأسفار الأربعة ـ الشيرازي : ج ١ ص ١٤٥ ـ ١٤٦.