ولكن ليس الحكم هو مدلول الدليل ، إذ حتى لو فرض عدم بقاء الجنس وتبدّله إلى وجود آخر ، في ضمن فصل آخر ، كشفنا عنه بمقتضى مدلول الدليل ، إلّا أنّ هذا قريب الشبه بمدّعى المشهور ، وإنّما احتاج المشهور لتفريع المسألة على المسألة الفلسفية ، لكونهم قد فرغوا عن كون الوجوب مدلولا للّفظ ، وعليه ، لا محالة أنّه ينحلّ إلى جنس وفصل.
الاعتراض الثاني ، هو : إنّه لو سلمنا بأنّ الوجوب مجعول شرعي ، فمع ذلك لا دليل لنا على بقاء الجواز لأنّ الوجوب من الاعتبارات ، والاعتبارات من أبسط البسائط ليس لها جنس ، ولا فصل ، فضلا عن المادة والصورة ، إذ ليست ذات ماهيّة حقيقية ، إذ الاعتبار من الكيف النفساني ، فلا معنى لافتراض بقاء جزء وارتفاع جزء بل حتى لو سلّمنا بكون الوجوب مركبا ، فليست المسألة مبتنية على تلك المسألة لأنّ النزاع هناك في الإمكان العقلي بينما نزاعنا في بقاء الجنس بعد انعدام الفصل إنما هو في الوقوع الخارجي.
وهذا الاعتراض أيضا غير صحيح ، وذلك لأنّ من يقول : بأنّ جزءا من الوجوب يبقى ، وآخر يرتفع ، لا يقول : بأنّ الوجوب اعتبار واحد ، كي يقال له : إنّ الاعتبار من البسائط ، أو من أبسطها ، فلا جنس له ، ولا فصل ، وإنما المدّعى بأنّ الوجوب متركب من مجموع اعتبارين : اعتبار عام ، واعتبار خاص ، اعتبار طلب الفعل ، أو كون الفعل في ذمة المكلّف ، واعتبار المنع من التّرك ، وهما مندكّان في اعتبار واحد ، فهما بمثابة الجنس والفصل ، وليس المدّعى كون الاعتبار الواحد مركّبا من جزءين.
وعليه يقال : بأنّ الدليل الناسخ ، إنّما يدل على ارتفاع المجموع ، وليس الجميع.
وعليه ، يمكن إثبات أصل الجواز بالدليل المنسوخ.
ولعلّه كان أقرب إلى الصواب لو عبّر بالمدلول التضمّني والمطابقي ، بدلا من التعبير بالجنس والفصل لأنّ الجنس والفصل من الأجزاء التحليلية