النظرية الرابعة : هي إنّ الوجوب التخييري وجوب واحد متعلق بالمردّد بين العدلين أو البدائل.
فالفرق بين الوجوب التعيينيّ والوجوب التخييريّ ، ليس في التعدّد والوحدة ، بمعنى أنّ التعيينيّ واحد ، والتخييريّ متعدد ، وكذلك ليس الفرق بينهما إنّ التعينيّ متعلق بالفرد ، والتخييريّ متعلق بالجامع ، ليس هذا هو الفارق ، بل كلاهما وجوب واحد متعلّق بالفرد ، وإنّما الفارق بينهما ، هو إنّ الوجوب التعيينيّ متعلق على نحو التعيين بالفرد ، بينما الوجوب التخييريّ متعلّق بالفرد على نحو التخيير وهذا الكلام مبني على تعقل الفرد المردّد.
وقد اعترض على هذه النظرية المحقق الأصفهاني «قده» (١) حيث يقول : بأنّ تعلق الوجوب بالفرد المردّد إن أريد به ، المردّد بالحمل الأولي ، «أي : مفهوم المردّد» ، فهذا معناه ، تعلّقه بالجامع ، لأنّ مفهوم المردّد ليس مردّدا ، بل معيّنا ، ويكون جامعا بين الفردين ، وهذا رجوع إلى النظرية الخامسة.
وإن أريد بالفرد المردّد أنّه متعلق بواقع المردّد فهو مردد بالحمل الشائع ، «أي : المردّد المصداقي» ، فهو مستحيل ، لأنّ ما هو بالحمل الشائع مردّد ، يستحيل أن يكون له ثبوت وتحقق ، لا في الخارج ، ولا في الذهن ، لأنّه يستلزم التناقض ، إذ معنى أنّه مردّد بالحمل الشائع ، يعني : إنّه «أ» ، وليس ، «أ» وإنّه «ب» وليس «ب» ، فالمردّد بالحمل الشائع إن فرض حمل كلا العنوانين عليه ولو بدلا ، فيلزم ما مرّ من التناقض ، وإن فرض حمله عليه بحيث لا يكون تناقض كما لو قلنا بأنّ المردّد هو «أ» وليس «ب» ، وهو «ب» وليس «أ» ، إذن فيكون متعيّنا.
__________________
(١) نهاية الدراية ـ الأصفهاني : ج ٢ من المجلد الأول ص ٦٩ ـ ٧٠.