المسلك الثالث
٣ ـ مسلك الجعل الواقعي
الكلام الآن في المذهب الثالث في تصوير حقيقة الوضع ، وهو مسلك جعل الملازمة الواقعية ، أو السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى.
وتقريب هذا المسلك هو : إن الأمور الثابتة على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الأمور التي تكون ثابتة بوجودها الخارجي من قبيل الإنسان ، والماء ، والهواء ، والجواهر ، والأعراض.
القسم الثاني : الأمور التي تكون ثابتة بالاعتبار ، بحيث أن لا وجود لها إلّا الوجود الاعتباري ، من قبل المعتبر ، فلو انقطع الاعتبار زال الوجود عنها ، من قبيل أن نعتبر وجود بحر من زئبق فإنّ هذا موجود بوجود اعتباري ، وبقطع النظر عن الاعتبار ، ليس لهذا البحر الزئبقي وجود ، ولا ثبوت.
القسم الثالث : ما يكون ثبوته لا بالوجود الخارجي ، ولا بمحض الاعتبار ، بل بنحو من الواقعية ، بحيث يكون له واقعية في الأمر نفسه ، وله نحو من الثبوت المحفوظ ، بقطع النظر عن اعتبار المعتبرين ؛ من قبيل إمكان الإنسان ، نقول مثلا : الإنسان ممكن وليس واجبا وليس ممتنعا ، فإمكان الإنسان ليس موجودا بالاعتبار فقط ، بل هو ثابت بقطع النظر عن أي اعتبار ، وحتى لو لم يكن هناك اعتبار ، ولا معتبر في الخارج ، فمع هذا ، إمكان الإنسان أمر محفوظ في نفسه ، وثابت في الأمر نفسه فإمكان الإنسان ليس من القسم الثاني