ليس هذا هو المقصود ، بل المراد بيان أنهما لا يقترنان أصلا ، فحرف العطف هنا لم يكن مؤثرا في تحصيص الحرارة ، ولا في تحصيص البرودة بحصة خاصة من حصص هذه الطبيعة. وسبب ذلك أن الحرف ليس موضوعا ابتداء بإزاء التحصيص ، وإنما هو موضوع لنسبة ، والنسبة التي هي بإزاء حرف العطف ، لا توجب التحصيص على ما يأتي توضيحه.
وكذلك حرف الاستثناء في قولنا : تصدّق بالدراهم العشرة إلّا واحدا. فحرف الاستثناء بأي شيء يوجب تحصيص العشرة؟ هل يوجب تحصيص العشرة بالتسعة؟ فيما العشرة في نفسها لم يكن لها حصتان حصة تسعة وحصة عشرة ، حتى يقال بأن (إلّا) تدل على تحصيص مفهوم العشرة بالعشرة الناقص واحد. فإن العشرة الناقص واحد ليس عشرة أصلا ، وليس فردا من أفراد مفهوم العشرة. فالتحصيص هنا غير معقول ، بينما المعنى الحرفي معقول ، لأن النسبة الاستثنائية بنفسها لا تتضمن التحصيص هنا على ما يأتي.
ويقال الشيء نفسه في حروف الإضراب ـ اضرب زيدا ، بل عمرا ـ وفي حروف التفسير ـ عندي إنسان أي حيوان ناطق ـ وهكذا كثير من الحروف لا يتعقل في مفادها تحصيص المعنى الاسمي ، وليس ذلك إلّا لأن تحصيص المعنى الاسمي من نتائج المعنى الحرفي ، لا إنه هو المعنى الحرفي.
وأمّا معنى الحرف فهو النسبة والنسبة أحيانا توجب التحصيص وتضييق دائرة الانطباق على الأفراد ، وأحيانا لا توجب ذلك.
إذن فالصحيح في المقام أن الوجه الثالث لا يكون مقبولا إلّا بعد إرجاعه إلى المسلك العام ، وذلك بأن نقول : بأن المراد من وضع الحرف للضيق في دائرة صدق المفهوم الاسمي ، يعني لملاك ومنشأ هذا الضيق ، وهو النسبة ، فيكون تعبيرا مسامحيا عن المسلك الثالث.
نعم يحتمل أن يكون هناك توجيه دقيق لكلام السيد الأستاذ ، إلّا أن