بني إسرائيل. وليس ذلك إلّا من الاستهزاء بأحكام الله تعالى ، والإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر ، فانه لو كان كذلك فلم يقتل بعضكم بعضا ويخرج بعضكم الآخر من دياره وهو محرّم عليهم في دينهم ، وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك كما ذكره تعالى.
قوله تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ). توبيخ وتأنيب أي : أنّكم إذا كنتم مؤمنين فما بالكم تؤمنون ببعض الكتاب وهو فداء الأسرى ، وتكفرون ببعض وهو حرمة القتل ، وإخراج اهل الديار من ديارهم. وفداء الأسير حسن لا ريب في محبوبيته بشرط أن لا يكون الفادي هو السبب في أسره ، وإلّا كان تبعيضا في الإيمان ، وكفرا بأحكام الله ، ولذا توعّد سبحانه على من كان كذلك بالخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة. والتعبير بالكفر إشارة إلى استهزائهم بحكم الله وجحودهم له ، وإلّا فإن مجرد ترك العمل ببعض الأحكام لا يوجب الكفر وإن أوجب الفسق.
قوله تعالى : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ). الخزي هو العذاب والهوان. قال تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٩٢] والتعبير بالرد إشارة إلى أن مسيرهم في المبدأ والمنتهى واحد ، من العذاب إلى العذاب.
قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). لا تخفى عليه خافية فقد أعد لكل عمل جزاءه ، وقد تقدم معنى ذلك ، وفيه زجر شديد لهم ، وفي مثل هذه الآيات تسلية لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) عمّا كان يلقاه من اليهود ، وارشاد لأمته إلى نبذ ما فعله اليهود وإلّا أصابهم ما أصاب اليهود.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ). بيان لقبح أفعالهم ، وقبحهم في تبديل الحياة الأبدية الشريفة بالحياة الزائلة الخسيسة بتركهم أحكام الله تعالى ، واستهزائهم بآياته وفسقهم ، ومثل هذا التبديل مما حكم العقل بقبحه ، وأجمعت الشرايع الإلهية على التنديد به ، قال تعالى في شأن الآخرة : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) [سورة العنكبوت ، الآية :