كما في قوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) [سورة نوح ، الآية : ١٩] دلالة على أنها خلقت كذلك لأجل ملاءمتها لطباع النّاس وألفتهم بها كما يألفون إلى الفراش والبساط والمهاد.
والسماء تطلق على كل ما علا وأظل وعلى مجموع ما فوقنا وللعلو درجات ومراتب ولذا يتصور فيها الجمع وقد ورد في القرآن لفظ «السموات» كثيرا لأن جهات البعد كثيرة جدا ولا سيما بناء على أن البعد غير متناه. والبناء وضع شيء على شيء مع التماسك بينهما.
والمراد به أنه تعالى جعل السماء سقفا متماسكا لئلا تقع على الأرض ويدل عليه قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٣٢] ويمكن أن يراد بالبناء العمران في مقابل الخراب وليس المراد بالعمران والخراب ما ندركه بأبصارنا الظاهرية فقط بل لها معان أخرى لا يحيط بها إلّا الله تعالى ، وقد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) «أطت السماء وحق لها أن تئط فإن ما بها موضع شبر إلّا وملك واضع جبهته عليه عظمة لله تعالى» ، وقد ورد التأكيد عن أئمة الدين في رد من زعم أنها خراب لا عمران فيها وعلى هذا يصح ترتيب نزول الماء من السماء سواء كان البناء بمعنى السقف أو بمعنى العمران كما لا يخفى على أهله.
وقد خلق السماء بأحسن نظام وأجمل صورة وجعل فيها أجراما غير متناهية متماسكة من غير أن يصطدم بعضها ببعض وقد كشف العلم الحديث لهذا السقف آثارا وفوائد كل ذلك يدل على تمام قدرته وعنايته تبارك وتعالى.
وإنما قدم سبحانه وتعالى الأرض لأنها من أنفع الكرات وأعظمها فائدة للإنسان ولأن فيها قيام حياة النبات والحيوان والإنسان ، والذي زاد في فضلها انها مهبط وحي السماء ومحل نشوء الأنبياء ومعبد الأولياء ومسجد أهل الإيمان ومحل تكميل نفوس العقلاء بل لم يخلق سبحانه وتعالى في العالم خلقا أجل نفعا وأعظم فائدة من هذه الكرة الأرضية ولذا كان اهتمامه تعالى بها أكثر واعتناؤه أشد من أي كرة أخرى فإنه سبحانه أعلم بأسرارها ورموزها