في ما يتعلق بشئونهم الفردية والاجتماعية ومن أهم ذلك معرفة الحقائق وأسمائها ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) ، فإنه لو كان المراد هو مجرد الألفاظ فقط لما كان لهذا القول معنى إلّا بالتكلف.
ولا فرق في ذلك بين أن يكون التعليم دفعيا وفي آن واحد ، أو كان بالتدريج على حسب مجرى الطبيعة التي هي مسخرة تحت إرادته تعالى. ولا بأس بالقول بكل منهما فيكون بالنسبة إلى البعض دفعيا وبالنسبة إلى البعض الآخر تدريجيا ، وفي جميع الحالات يكون التعليم منسوبا إليه عزوجل.
ثم إنه لا وجه لصرف الآية عن التعميم ، والقول بأن التعليم يختص بتلك الأسماء التي كانت مورد حاجة آدم في حياته ، وتعليم غيرها يكون من اللغو أو لزوم ما لا يلزم والله تعالى منزه عن ذلك ، إذ يرد على هذا القول بأن الآية ظاهرة في التعيمم ، مع أن الإحاطة العلمية خصوصا بمثل هذه الإحاطة العلمية الغيبية كمال للنفس وأي كمال أفضل منه بل يعد هذا من معجزات آدم (عليهالسلام).
ويحتمل أن يكون المراد بعالم الأسماء عالم المثال الذي أثبته بعض الفلاسفة ، ويسمى بعالم الخيال المنفصل أيضا الذي فيه صور جميع الموجودات بأشكالها الخاصة وهيئاتها المختلفة المحدودة بحدودها المعينة كما في الصور الخيالية التي تكون بين التجرد المحض والمادية المحضة واستدلوا عليه بالأدلة العقلية ، وبما ورد عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) «أن في العرش صور جميع الموجودات» ، وقد ورد في شرح دعاء ـ يا من أظهر الجميل وستر القبيح ـ «أن العبد إذا فعل فعلا قبيحا ستر الله تلك الصورة بستار لئلا يطلع عليها الملائكة» والمراد بهؤلاء الملائكة بعض حملة العرش ، ويأتي للمقام شواهد عقلية ونقلية.
وعلى هذا يكون إتيان لفظ من يعقل في قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) من باب ذكر الأهم لأنه المقصود الأصلي من خلق الجميع.
بل يمكن أن يقال : إنّ المقصود الأصلي من الأسماء إنما هو مقام