وربما يتوهم من أن ما ذكر صحيح لا إشكال فيه ولكنه مخالف للقاعدة التي تسالموا عليها في الفلسفة من أنه لا بد وأن تكون علة الطبيعي طبيعية ، والمعجزة وخارق العادة في عالم الطبيعة ومنها ، فلا بد وأن تحصل بالعلة الطبيعية. ولهذا التجأ بعض المفسرين إلى القول بأن علتها طبيعية لكن لا يعرفها إلّا من جرت على يده.
نقول : إنّ أصل القاعدة موردها العلل الطبيعية لا الفاعل المختار الذي هو محيط بكل شيء ويفعل ما يشاء ، مع أن جعل المعجزة وخارق العادة من عالم الطبيعة ممنوع بل هما من عالم آخر تظهران في ظلمات الأرض ، ولم يقم دليل على أن كل ما يظهر في عالم الطبيعة ـ من العالم الآخر ـ لا بد أن يكون من الطبيعة ، بل الدليل على خلافه كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وليس ما ذكرناه في معنى المعجزة مبنيا على الحلول ولا على وحدة الوجود والموجود ، لما سيأتي من إثبات بطلان ذلك كله إن شاء الله تعالى ، بل المعجزة وخارق العادة من إيجاد الله تعالى القدرة الخلّاقية ـ في الجملة ـ في من شاء من عباده لمصالح كثيرة تقتضي ذلك. ولا فرق بين المعجزة وخارق العادة من هذه الجهة إلّا أنّ الأولى لا بد وأن تقترن بالتحدي أي : الدعوة إلى المبارزة والمنازعة في الإتيان بمثلها في الناس ، بخلاف الثاني فإنّه قد يصدر عن عبد خمول في فلاة من الأرض لا يعرف ولا يعرفه أحد كالخضر.
فحقيقة الإعجاز قدرة النفس الإنسانية على إيجاد ما يخرق به الطبيعة والعادة والتصرف في هذا العالم بما هو خارج عنه كل ذلك بإقدار من الله تعالى عليه لمصالح متعددة تقتضيها الظروف. هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المعجزة ، وللقوم فيها تفاصيل في كتب الكلام والتفسير.
التحدي ومعناه :
التحدي هو نداء الناس جميعا إما للإتيان بمثل ما يدعيه المدعي أو الاعتراف بالعجز والقصور فتثبت أصل الدعوى لا محالة باعتراف الخصم ، وهو من أحسن الطرق لإثبات المطلوب وإقامة الحجة عليه. وهو