تعالى لنبيه الأعظم (صلىاللهعليهوآله) مباشرة من وراء الغيب ليلة المعراج كما في الحديث. وأول ما ينظر إليها الله تعالى من أعمال العباد يوم القيامة «إن قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها» وجعلها النبي (صلىاللهعليهوآله) عمود الدين كل ذلك لما فيها من الأثر العظيم في تهذيب النفوس والعروج بها إلى الملكوت. وقد ذكر الله تعالى من عظيم أثرها في قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٤٥] ، ولذلك أمر الله تعالى بإقامتها والمحافظة عليها والخشوع فيها وأدائها في أوقاتها.
وليس المراد بإقامتها مجرد الإتيان بها صورة من قيام وركوع وسجود خالية من روح العبادة والتوجه إليه تعالى وإلّا فهو مضيع لها وقد توعد الله فاعلها بالويل فقال جل شأنه : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [سورة الماعون ، الآية : ٤] فهو وان سمي مصليا لكنه منعوت بالسهو عن حقيقتها فتقول الصلاة له : «ضيعك الله كما ضيعتني» كما ورد في الأثر ولأجل ذلك لم يستعمل لفظ الإتيان بالصّلاة في القرآن العظيم إلّا مقرونا بالذم غالبا كقوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) [سورة التوبة ، الآية : ٥٤].
قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ). الرزق : هو العطاء الخاص في مقابل الحرمان ويشمل الماديات ـ كالمال والولد ـ والمعنويات كالعلم والتقوى والجاه. وبالجملة : كل جهة إمكانية تحققت بالنسبة إلى الإنسان وأفاض الله تعالى عليه فهو رزق منه تعالى إليه قال عزوجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٠].
إن قلت : إثبات أنّ الإنسان بجميع جهاته ـ من ذاته ووجوده وعوارضه ـ رزق ومجعول منه تعالى مناف للنزاع المعروف بين الفلاسفة والمتكلمين من أن الوجود مجعول منه تعالى ، فتكون الماهية ليست كذلك أو الماهية مجعولة منه تعالى فالوجود ليس كذلك ، فلا كلية في ما ادعيت من أن الإنسان مجعول منه تعالى.