ربما يستفيد من الفيض الأخص ، والأخير يتوقف على أمور خاصة شرعية ـ كالرياضات والعبادات ـ توجب تهيئة النفس للإفاضة بالفيض الأخص ، بلا فرق بين الأنبياء والمرسلين وغيرهم ، فإن خاتم النبيين (صلىاللهعليهوآله) مع أنّه من أكمل النفوس وأتمها وأقربها إلى ربّ العالمين تحصل من عباداته لله تعالى ومجاهداته فيه جل شأنه حالات لم تكن له قبل ذلك.
والقابلية للاستفاضة إنما تحصل بانقلاع النفس عن العلائق الجسمانية والحواجب الظلمانية ، وانقطاعها إلى الله تعالى وتصفية مرآتها عن الغبار ومحو جميع الأنداد والأغيار ، فإن لذلك الأثر العظيم في حصول الانس وتجلي القلب بأنوار القدس فيتجلى الله تعالى على قلبه بنور عظمته ، وإليه أشار نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) فقال : «من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وأنطق بها لسانه».
والغرض من الميقات والميعاد هو ذلك ، وقد تقدم أنه قال جمع من العرفاء : إن لكل نبي وولي ميقاتا مخصوصا.
وإنّما ذكر النبي (صلىاللهعليهوآله) في الرواية الصباح ليلازم العبد على الصمت والسكوت إلّا عن الحق ، لأن اليوم والصباح مظنة الخلطة مع النّاس والتكلم معهم في أمور الدنيا ، وفي الحديث : «من رأيتموه سكوتا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة».
ثم إنّ للميقات والميعاد مظاهر مختلفة فقد كان ميقات موسى في أربعين ليلة وفي جانب الطور الأيمن كما عرفت ، وأما مواقيت خاتم النبيين (صلىاللهعليهوآله) فقد جعل لأمته مواقيت خمسة مكانية كمواقيت الحج والعمرة وزمانية كأشهر الحج أو هما معا فيما إذا اتفقتا معا ، وهي من علامات رسالته ومعجزات نبوته ؛ وفيها يتبرأ كل مسلم من الشرك والأنداد ويطرح الأغيار والأضداد ويتهيأ تهيئة الأسير الذليل بين يدي الرب العظيم ليتجلى الله تعالى عليهم عشية عرفات فيحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان من إحدى مظاهر تجليات الله تعالى لعباده يوم القيامة ؛ وآخر كلام موسى (عليهالسلام) مع ربه في الميقات «سبحانك تبت إليك».