وأما احتمال أن فرق البحر وهذه الآيات الباهرة كانت من مجرد مجاري الطبيعة من المد والجزر ونحوهما ، كما عن بعض المفسرين المنكر للمعجزات وخوارق العادات. فهو ساقط مطلقا ، لكونه مخالفا لنص الآيات القرآنية ، وما ذكر مفصلا في التوراة ، كما لا يخفى على من راجعها.
قوله تعالى : (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ). النجاة هي الانفصال والخلاص ، واستعمل هنا في مقابل الغرق. وأصل الغرق هو التجاوز عن الحد المعتبر في الشيء وغالب استعمالاته في القرآن إنما هو بالنسبة إلى فرعون وآله ، وقوم نوح ؛ والأول إضافي ، والثاني كلي عالمي ؛ والنظر : هو الإقبال إلى الشيء فإن كان بالقلب يسمى فكرا واعتبارا ، وان كان بالعين يسمى نظرا ورؤية ، وإن كان باليد سمي لمسا إلى غير ذلك من مصاديق معنى الإقبال والتوجه بالمعنى العام.
وإنما ذكر تعالى آل فرعون ولم يذكر غرق نفسه ، لأن المراد من الآية هو استيصالهم رأسا فيشمل غرق نفسه أيضا ، مع أن ذكره في آيات أخرى يغني عن ذكره هنا ، قال تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [سورة يونس ، الآية : ٩٠].
وإنما ذكر سبحانه وتعالى (النظر) لأنه بالنسبة إلى هلاك العدو وغرقه سرور عظيم لبني إسرائيل فتكون النعمة عليهم أتم وأعظم.
وفي هذه الآيات المباركة اعتبار عجيب لمن اعتبر ، فإن فرعون افتخر بملك مصر ، وجريان الأنهار من تحته فأغرقه تعالى وأهلكه في ما افتخر به ، وهذه هي سنة الله تعالى في كل من غفل عنه وجعل همه في غيره جل شأنه ، قال تعالى : «وعزتي وجلالي وعلو شأني ، وارتفاع مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل غيري ، ولأكسونه ثوب المذلة والأياس».
بحث اجتماعي :
ثم إنّ هنا بحثا اجتماعيا ، وحاصله أنه يمكن إرجاع كل اختلاف واقع بين أفراد الإنسان ـ ومنه الاختلاف بين بني إسرائيل وقوم فرعون ـ إلى أحد