الآيات المباركة.
وبناء على ما تقدم لا بد من تأويل ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة مما يوهم ظاهره خلاف العصمة ، وسيأتي ذلك في مواضعه.
فقد ذكرنا أن ما ورد في آدم (عليهالسلام) كقوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) لا يدل على صدور المعصية منه ، كما أن قوله تعالى : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) ظاهره الظلم على نفسه بوقوعه في مشقة الدنيا لا الدخول في النار.
وأما قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [سورة طه ، الآية : ١٢١] فإنه ليس المراد منه صدور العصيان والغواية منه (عليهالسلام) ، بل إن لنفس استعمال هذه الألفاظ موضوعية خاصة ، فإن مقام آدم (عليهالسلام) الذي خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وعلّمه الأسماء وأسجد له الملائكة وأسكنه الجنّة ربما يوجب في نفسه بعض الخطرات المنافية لمقامه (عليهالسلام) فعصمه الله تعالى بذلك ، وقد يوجب ذلك كله غلو ذريته فيه فيعبدونه فأذهب الله تعالى عنهم ذلك الغلو بما تقدم من الألفاظ.
وكذا قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [سورة طه ، الآية : ١١٥] ، فإن عهود الله تعالى ومواثيقه على الأنبياء والمرسلين على قسمين : عهد عام بالنسبة إلى جميع الأنبياء والمرسلين ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٨١] ، وكذا قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [سورة الأحزاب ، الآية : ٧]. وعهد خاص بكل نبي حسب الظروف والخصوصيات الزمانية والمكانية التي تحيط بذلك النبي ، والمائز بين القسمين هو القرائن وما يستفاد من السنّة المعتبرة الواردة في حالات الأنبياء (عليهمالسلام).
والظاهر في المقام هو الثاني ، لأنّ ترك العزم بالنسبة إلى الميثاق العام لا يعقل ، فإنه خلف مع فرض النبوة. نعم هو معقول بالنسبة إلى العهود الخاصة