لان كلمة حتى كما تدخل على الغاية الممكنة كذلك تدخل على الغاية الممتنعة ، كما في قوله تعالى : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (١) فالاخبار المحدودة بلقائه مطلقة من حيث التمكن من الوصول الى خدمته عليهالسلام كما ان اخبار التخيير ايضا مطلقة ، فتكونان متباينتين ، فيحتاج الجمع بينهما بحمل كل منهما على صورة معينة الى شاهد خارجي.
وفيه : ان كلمة حتى وان كانت كذلك بحسب وضعها اللغوى لكنها تنصرف عند الاطلاق الى ان الغاية التى جعلت تلوها من الممكنات.
وكيف كان فالذى اظن في الجمع بين الأخبار أن اخبار التوقف ليست ناظرة الى ما يقابل الاخذ باحدهما على سبيل التخيير ولا على سبيل التعيين ، بل هي ناظرة الى تعيين مدلول الخبرين المتعارضين بالمناسبات الظنية التى لا اعتبار بها شرعا ولا عقلا ، فيكون المعنى على هذا انه ليس له استكشاف الواقع والحكم بان الواقع كذا كما كان له ذلك فيما كان في البين ترجيح ، ولا اشكال في ان المتحير من جهة الواقع لا بد له من قاعدة يرجع اليها في مقام العمل ، فلو جعل التخيير مرجعا له في مقام العمل لا ينافي وجوب التوقف ، كما انه لو جعل المرجع في مقام العمل الاصل الموافق لاحد الخبرين لم يكن منافيا لذلك.
والشاهد على ذلك في اخبار التوقف امران : احدهما أن التوقف من غير جهة المدلول امر مركوز في اذهان العرف ، أترى ان احدا من العقلاء يبنى في صورة تعارض الخبرين المتساويين من جميع الجهات على حجية احدهما المعين او على حجية احدهما على سبيل التخيير من دون دليل؟! وحيث ان التوقف من هاتين الجهتين مرتكز في اذهانهم فلا يحتاج الى تلك الاوامر الكثيرة ، وهذا بخلاف تعيين مدلول الخبرين المتعارضين ، بل مدلول كل خبر متشابه بالظنون والاعتبار ، فان هذا امر مرسوم عندهم متعارف بينهم ، وقد تصدى الشارع لسد
__________________
(١) سورة الاعراف ، الآية ٤٠.