اذا عرفت هذا فنقول : ان الادلة المرخصة هنا وان اختص حكمها بغير صورة العلم الاجمالي بحكم العقل الحاكم بقبح الاذن في المعصية ، إلّا ان اقتضاء كل مشكوك للاباحة يستكشف من اطلاق المادة ، وبعد تعذر الجرى على مقتضى كل من الاطراف يستكشف ان البعض على سبيل التخيير مرخص فيه ، حيث لا ترجيح للبعض المعين ، هذا.
وفيه : ان هذا الحكم من العقل انما يكون فيما يقطع بان الجرى على طبق احد الاقتضائين لا مانع فيه ، كما في مثال الغريقين ، واما فيما نحن فيه فكما ان الشك يقتضى الترخيص كذلك العلم الاجمالي يقتضى الاحتياط (١) ولعل اقتضاء العلم يكون اقوى في نظر الشارع ، فلا وجه لقطع العقل بالترخيص.
الثالث : ان يقال : إنّ مقتضى اطلاق الحكم في الادلة المرخصة ثبوت الاذن في كل واحد من الاطراف ، في حال ارتكاب الباقي وفي حال عدمه ، وهذا الاطلاق قد قيد بحكم العقل ، في حال ارتكاب الباقي ، فيما كان العلم الاجمالى متعلقا بحرمة احد الامور ، وفي حال ترك الباقي ، فيما كان المعلوم وجوب احد الامور ، فنأخذ بمقتضى الاطلاق في غير الصورتين ، ونقول بثبوت الاذن في الصورة الاولى في حال عدم ارتكاب الباقي ، وفي الثانية في غير حال ترك الباقي ، حفظا لاطلاق الحكم فيما لم يدل دليل على خلافه ، وبهذا البيان يمكن اثبات الخطابين فيما اذا اجتمع غريقان لا يقدر على انقاذهما ، بان يقال : ان مقتضى القاعدة رفع اليد عن اطلاق كليهما وجعل كل منهما مشروطا بترك الآخر.
لا يقال : لازم ذلك ثبوت الخطابين في حال ترك كليهما ، لثبوت شرط كل منهما ، فيلزم التكليف بما لا يطاق في الحال المفروض في مسألة الغريقين ، وكذا
__________________
(١) فان قلت : كما انه يقتضي الاحتياط فالشك يقتضي ضده ولا مرجّح في البين فلا موجب للاشتغال ، قلت : يكفي في الاشتغال احتمال رجحان مقتضى الاحتياط واقعا ، لانه مساوق مع احتمال صحة العقوبة كالشبهة البدوية قبل الفحص (م. ع. مدّ ظلّه).