احدهما : ما دل على النهى عن القول بغير العلم.
والجواب عنه واضح ، لانا لا نقول بان الواقعة المشكوكة محكومة بالحلية في نفس الامر حتى يكون قولا بغير علم ، بل نقول بان اتيان محتمل الحرمة بعد الفحص عن الدليل لا يوجب عقابا وكذا ترك محتمل الوجوب ، وهذا ليس قولا بغير علم ، بل هو مقتضى حكم العقل القطعى بقبح العقاب من دون بيان.
الثاني : ما دل بظاهره على لزوم الاحتياط والتورع والاتقاء مثل قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (١) ، (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) (٢) وقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (٣) وكذا (لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٤).
والجواب عما عدا الاخير ان الاتقاء يشمل فعل المندوبات وترك المكروهات ، ولا اشكال في عدم وجوبهما ، فيدور الامر بين تقييد المادة بغيرهما وبين التصرف في هيئة الطلب بحملها على ارادة مطلق الرجحان حتى لا ينافي فعل المندوب وترك المكروه ، ولا اشكال في عدم اولوية الاول ان لم نقل باولوية الثاني من جهة كثرة استعمالها في غير الوجوب حتى قيل انه صار من المجازات الراجحة المساوى احتمالها مع الحقيقة.
واما عن آية التهلكة فبان الهلاك بمعنى العقاب معلوم العدم ، لعدم البيان عليه ، وبدونه قبيح ، ولا يمكن ان يكون هذا النهى بيانا ، اذ موضوعه التهلكة ، ولا يمكن ان يتحقق الموضوع بواسطة حكمه ، واما الهلاك بمعنى المفاسد المترتبة على فعل الحرام وترك الواجب فالحق ان الآية لا تشملها ، لانها مما لم يقل به الا الاوحدى من الناس بالبرهان العقلى ، حتى ان بغضا من العدلية لا يلتزمون
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٢.
(٢) سورة الحج ، الآية ٧٨.
(٣) سورة التغابن ، الآية ١٦.
(٤) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.