والثانية انه لا بد ان يكون الموضوع منظورا اليه بالنظر الفراغي ، اعني ان يفرض مفروغ الوجود في موطنه من خارج او ذهن ، وان لم يكن موجودا واقعا فليفرض كذلك ـ كما في موضوع القضية الكاذبة ـ ضرورة ان ثبات شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له وبعد الفراغ عن نفسه ، ومفروغية كل شيء بحسبه ففي مثل «الانسان حيوان ناطق» او «زيد موجود» هي مفروغية الطبيعة المقرّرة بحسب ظرف التقرّر ، وفي مثل «زيد قائم» هي مفروغية الوجود الخارجي ، وفي مثل «علمى قليل» هي مفروغية الوجود الذهني.
اذا عرفت المقدمتين علمت ان زيدا في المثال لا يكون موضوعا من جهتين : إحداهما انه امر خارجي ، وقد مر في المقدمة الاولى ان الخارجي لا يتصف بالموضوعية. والثانية انه غير متصور بالتصور الفراغي بل بالتصور المقدمي للايجاد وهو غير كاف في الموضوع ، فلا بد ان يتصور ثانيا مفروغا عنه فيكون هذا المتصور الثاني موضوعا.
قلت : يمكن الجواب عن كلا الوجهين ، بان يقال ان ايجاده لا محالة حيث يكون فعلا اختياريا مسبوق بتصوره ، ويكون هذا التصور بعد الايجاد ايضا باقيا في الذهن ، فالحمل يقع بين هذا الوجود البقائي من تصوره وبين المحمول ، فلا يرد الوجه الاول ؛ وحيث ان متعلقه بعد الايجاد امر مفروغ الوجود اندفع الوجه الثاني ، والحاصل ان التصوّر قبل الوجود كان مقدمة للايجاد وغير كاف لمقام الحمل ، ولكن بعد الوجود يتصف بقاء ذلك التصور بالفراغ ، فيكفي حينئذ للحكم والحمل ، فتدبّر جيّدا.
(*١٥ ، ص ٧١) قوله «دام ظله» هذا في الجمل الخبرية واما الانشائيات «آه» وحاصل الكلام ان الاخبار والانشاء مشتركان في جهة ومفترقان من جهة : اما الجهة التي اشتركا فهي ان كلا منهما يحكي عن الصفة الخارجية التي خارجها النفس ، والكاشفية والأمارية التي هي شأن اللفظ جهة مشتركة بينهما وبين جميع الالفاظ الموضوعة ، ويفترق الانشاء والاخبار عن المعاني التصورية بان المعنى في الثانية هو المفهوم التصوري والصورة الذهنية التي هي الحاكية عن الخارج ونفس الامر ، مثل لفظ الطلب والتمني والاستفهام وغيرها ، واما الانشاءات والاخبارات فالمعنى فيها هو نفس الصفة بخارجيّتها وواقعها التي هي مصاديق مفاهيم الاخبار والطلب والتمني والترجي واقعا ، ويحمل هذه المفاهيم عليها بالحمل الشائع ، لكن لا تحمل بهذا الحمل المفاهيم المذكورة بقول مطلق الا على المصاديق الحقيقية النفس الامرية ، وهي الصفات النفسانية الخاصة ، وليست هي معاني للصيغ والانشاءات وانما معناها ايضا صفة نفسانية من سنخ تلك الصفات وتكون بجعل النفس ، والمفاهيم المذكورة تحمل عليها ايضا بهذا الحمل لكن مقيّدة بكونها انشائية ايقاعية فليفهم.