ترى ان المطلق القسمي مع المقيد مفهومان قطعا مع ان التعدد بينهما ليس إلّا من قبل الاعتبار ، مع ان معنى المعنى والمفهوم ليس إلّا المتعقّل في الذهن ، ولا واقع ولا حقيقة للمفهوم سوى الذهن ضرورة انه ليس لنا عالم وراء الخارج والذهن كان هو عالم المفاهيم ، وحينئذ نقول : قد نتصور حالة كون الماء في الظرف على نحو الاندكاك في الماء كما في الخارج ، او حالة كون الظرف مستقرا فيه الماء على نحو الاندكاك في الظرف كما في الخارج ، وقد نتصور الظرفية على وجه الاستقلال ، ففي الاول يكون في البين مندك ومندك فيه ، وفي الثاني يكون في البين اشياء مستقلة عرضية ليس شيء منها مندكا في شيء ، وهذا الاندكاك والاستقلال ثابتان في الذهن حتى عند التجريد المتوقف عليه الاستعمال للتطبيق على الخارجيات ، ونقول في توضيح ذلك بالمثال : ان الكلية معقول ثانوي ، وهو عبارة عن حمل الطبيعي على افراده ، والحمل يتوقف على المغايرة ، والمغايرة متوقفة على حفظ حيث الذهنية ، اذ لولاها لما كان في البين شيء يحمل على الخارجيات ، ومع ذلك يتوقف الكلية على تجريد الطبيعي عن حيث الذهنية ، وبعد التجريد يكون في البين شيء ذهني يحمل ، وكذلك تتوقف الكلية على تجريد الطبيعي عن الخصوصيات وإلّا لما يصدق على الكثيرين ، ومع ذلك نحتاج الى تجريده عن وصف التجريد ، ضرورة ان الطبيعي بوصف التجريد لا تنطبق على الخارجيات ، وبعد التجريد عن هذا الوصف يبقى لنا ايضا شيء مجرد ، فكما ان تجريد الطبيعي عن وصف الذهنية والتجريد لا يورث انتفاء هذين الوصفين عنه واقعا وفي ظرف التقرر ، كذلك تجريد الاندكاكية والاستقلال في مقامنا بالنسبة الى المعنى الحرفي والاسمي لا يوجب انتفائهما رأسا.
فان قلت : المعاني الخاصة المندكة في المحالّ الخاصة كيف يمكن تعقلها بدون المحالّ الخاصة.
قلت : ينتزع العقل مما بين المعاني الجزئية العاجزة جامعا بلا مئونة زائدة في المقام على سائر المقامات فكما يتصور الظرفية المندكة في المحلّ الخاص كذلك يتصور ايضا مطلق الظرفية المندكة في محلّ ما ، والاحتياج الى محل ما هنا نظير الاحتياج الى فاعل ما في النسب المستفادة من الافعال ، ألا ترى ان لفظ ضرب في قولك : ضرب زيد قبل مجيء كلمة زيد يدلّ على النسبة الى فاعل ما ، وهذا المعنى العام هو المتصور حال استعمال الحروف ، ألا ترى ان الوجدان يشهد بان كلمة «في» في جميع القضايا يكون بمعنى وليس من باب المشترك اللفظي ، وهذا المعنى هو المستفاد من كلمة «في» المبدوّة بها القضية بعد التكلم بها وقبل التكلّم بالكلمة المتصلة بها ، وكما يمكن تصور هذا المعنى للمستعمل يمكن للواضع ايضا بلا فرق.
فان قلت : المعنى الربطي الاندكاكي كيف يمكن ان يتعقل في الذهن على وجه