بسبب الطلب المستفاد من الأمر ، مثلا نقول بعد تعلّق الأمر بالصوم : إنّ الصوم مطلوب ، ولا يعقل اتّصافه به بواسطة مفهوم الطلب ، فإنّ الفعل يصير مرادا أو مطلوبا بواسطة واقع الإرادة وحقيقتها لا بواسطة مفهومها ، فالصوم مطلوب بالطلب الحقيقي ، وهذا دليل على وضع هيئة «افعل» لمصاديق الطلب لا لمفهومه وماهيّته المطلقة ، فلا مجال للتمسّك بأصالة الإطلاق.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني قدسسره (١) : أوّلا : بأنّ مفاد الهيئة ـ كما مرّت الإشارة إليه ـ ليس الأفراد ، بل هو مفهوم الطلب ، ومرّ أنّ الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في باب الحروف وما يشبه بها عامّ كالأسماء ، بل لا فرق بينهما إلّا في موارد الاستعمال بواسطة شرط الوضع.
وثانيا : بأنّ هيئة «افعل» وضعت لإنشاء الطلب ، ولا شكّ في أنّه لا يتعلّق بفرد الطلب الخارجي ؛ لأنّه قائم بالنفس إنّما يوجد بأسبابه الخاصّة ، بل هو يتعلّق بمفهوم الطلب وطبيعته وماهيّته ، فتكون المفاهيم قابلة للإنشاء لا المصاديق ، ولا جميع المفاهيم بل بعضها ، فهيئة «افعل» وضعت لأن ينشئ بها مفهوم الطلب ، فيكون لمفاد الهيئة إطلاق وقابل للتمسّك فيما نحن فيه.
والتحقيق : أنّ كلامهما لا يخلو عن مناقشة كما مرّ مفصّلا في المباحث السابقة ، ولا بدّ من الإشارة إليها ، فنقول بعنوان المناقشة في كلام صاحب الكفاية قدسسره : إنّ مفاد هيئة «افعل» عبارة عن البعث والتحريك الاعتباري ، وهو قائم مقام البعث والتحريك التكويني ، ويجب على المكلّف إطاعته إذا صدر عن المولى عند العقلاء ، ولا دخل له أصلا بمصداق الطلب ولا بمفهوم الطلب.
والمناقشة في كلام الشيخ قدسسره أنّه لا نسلّم كبرى كلامه ، فإنّه قال : بأنّ مفاد
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١٧٣ ـ ١٧٤.