ولا تحقّقه في حال انعدام العلّة بعد الحدوث.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ المقدّمة حيث كانت من أجزاء العلّة لوجود ذي المقدّمة ، ولا بدّ من تقدّمها بجميع أجزائها على المعلول أشكل الأمر في المقدّمة المتأخّرة ، بل في الشرط أو المقتضي المتقدّم على المشروط زمانا المتصرّم حين المشروط ، لا فيما استمرّ وجودا. وما يلزمنا على حلّ الإشكال عبارة عن تحقّق موارد متعدّدة في الشرعيّات من العبادات والمعاملات كالأغسال الليليّة المعتبرة في صحّة صوم المستحاضة عند بعض ، والإجازة في صحّة العقد على الكشف الحقيقي عند بعض ، لا بناء على النقل ولا على الكشف الحكمي.
هذا في الشرط المتأخّر والشرط المتقدّم كالعقد في الوصية والصرف والسلم ؛ إذ الملكيّة في الوصيّة تترتّب على الموت مع انعدام العقد حينه ، والملكيّة فيهما مترتّبة على القبض والإقباض مع انعدام العقد حينهما ، بل في كلّ عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه لتصرّمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا ، فإنّ الإيجاب والقبول وكذا أجزاءهما من الامور التدريجيّة المتصرّمة ، فالجزء الأخير من القبول مقارن للأثر دون غيره من سائر أجزاء القبول وجميع أجزاء الإيجاب.
وذكر الأعاظم والفحول في الفنّ طرقا متعدّدة لحلّ الإشكال ، ونحن نتعرّض إليها حتّى نصل إلى ما هو التحقيق في المسألة ، فقال المحقّق العراقي قدسسره (١) بما حاصله : إنّ المسائل الشرعيّة تكون من الامور الاعتباريّة ولا ترتبط بقاعدة عقليّة ، فإنّها تجري في الواقعيّات والتكوينيّات ، فتكون سببيّة غسل الليلة لصحّة صوم يوم الماضي مثل سببيّة العقد للملكيّة وإتلاف مال الغير
__________________
(١) نهاية الأفكار : ٢٧٩ ـ ٢٨٦.