الاشتغال ، ولا شكّ في حكم العقل بلزوم هذه المقدّمة ، وإرشاد الروايات (١) الكثيرة إليه ، كما أنّه لا شكّ في مغايرتها لمقدّمة الوجود ، ولكنّها خارجة عن محلّ النزاع فيما نحن فيه ، فإنّا نبحث في مقدّمة الواجب ـ أي مقدّمة تحقّق الواجب ووجوده ـ لا في مقدّمة العلم بتحقّق الواجب.
ويمكن أن يتوهّم أنّ الحاكم بلزوم الإتيان بمقدّمته العلميّة هو العقل ، والنزاع في مقدّمة الواجب أيضا نزاع عقلي ، فكيف يكون هذا قابلا للجمع مع خروجها عن محلّ النزاع؟!
وجوابه : أنّ الحاكم بالملازمة فيما نحن فيه وإن كان عبارة عن العقل إلّا أنّ طرفي الملازمة عبارة عن الوجوب الشرعي المولوي للمقدّمة وذي المقدّمة ، ولا فرق بينهما إلّا في النفسيّة والغيريّة ، وأمّا المقدّمة العلميّة فليس لها سوى اللزوم العقلي الإرشادي ، والروايات المذكورة أيضا ترشد إلى ما حكم به العقل.
ومنها : تقسيم المقدّمة إلى المتقدّمة والمقارنة والمتأخّرة بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدّمة ، ونبحث هاهنا أوّلا : في أصل صحّة التقسّم ومعقوليّته وعدمه ، وثانيا : بعد الفراغ عن صحّته من حيث دخول الأقسام في محلّ النزاع وعدمه.
وأمّا البحث في المرحلة الاولى فيحتاج إلى مقدّمة ، وهي : أنّ علماء أهل المعقول اتّفقوا في باب العلّة والمعلول على تقدّم العلّة على المعلول من حيث الرتبة ، ومقارنتها معه من حيث الزمان ؛ بمعنى تحقّق المعلول في حال تحقّق العلّة ، سواء تحقّقت العلّة قبله أو معه ، لا تحقّقه من دون أن تتحقّق قبله علّة ،
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٣١٠ ، ب ٨ من أبواب القبلة.