المسلمين كافة من منع دمن الأرض بالنجس ولا تحريمه ، والغالب على الدمن النجس ، ولا يعلم المنع من ترك الوقاء على الحمار ، والسرج على الفرس ، بعد تنجسه بدم الدبر والعقر إلا أن يغسل ، ولا الالتحاف بالثوب النجس ، ولا يتربط به ، ولا وجوب غسله إلا لمن أراد الصلاة عليه ، وقد أعارت عائشة رضي الله عنها رجلا بساطا لها فاحتلم فيه وغسله قبل ردّه ، فقالت : (أفسد علينا بساطنا) وهي أحد العلماء ، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة ، واستدل من يقول بطهارة المني بهذا ، وقلنا نحن في تأويل الحكم : إنه إنما أريد به الافتراش دون الصلاة عليه ، فغيّر عليها صباغه ، وكان لا يجب غسله ، فتفهّم ذلك.
واعلم : أنّا قد بلينا بما لم يبل به من تقدّم من أهل العلم ، وهو أن كل سائل يطالب بالدليل ، وجل أهل العلم بل كلهم إلا القليل قالوا : لا يجب على المفتي تبيين علة الحكم. وكتب الأئمة [عليهمالسلام] وعلومهم تنبي بذلك فإنك تجد أقوالهم مجردة عن العلل والشروط والأسباب والأدلة ، وإنما علّل العلماء أقوالهم بعد ذلك ، وإن كانوا لم يقولوا إلا الأصل ودليله ، فهذا ما تحملته هذه المسألة.
وسألت : ما حكم الشيوخ المتقدّمين من أهل العلم رحمة الله عليهم في وقت الغزو قبلهم؟
والجواب عن ذلك : أن أمورهم تحمل على السلامة ، ويكفي في ذلك أن نقول : الأصل صحة اعتقادهم وعلمهم ، فحسن الظنّ بهم يوجب أنهم ما فعلوا ذلك إلا لوجه يجيزه ، إما بإذن (١) من إمام عصر ، وإما أن تكون البلاد قد
__________________
(١) كذا في (أ) ، وفي (ب) : إما من إذن إمام عصر.